هل اختبارات AnTuTu وGeekbench تمثل مقياس حقيقي لأداء الهاتف؟

يعتمد الكثيرون على أداتي AnTuTu وGeekbench في معرفة حالة الهاتف والحكم على أدائه العام، ولكن هل حقًا يمكن الاعتماد عليهما؟ إليك الجواب.
كل عام جديد تشهد صناعة الهواتف الذكية حدثًا متكررًا يثير ضجة كبيرة في الأوساط التقنية، ألا وهو إطلاق معالجات جديدة من قبل كبرى الشركات المصنعة مثل كوالكوم وأبل وسامسونج وجوجل. وعادة ما يصاحب هذه الإطلاقات ادعاءات مثيرة حول الأداء الفائق لهذه الشرائح، مدعومة بأرقام مبهرة من التطبيقات التي تختبر أداء الهواتف مثل AnTuTu وGeekbench اللذان يتصدران المشهد بخصوص هذا الأمر؛ تُعطي هذه الاختبارات أرقامًا (Score) تمثل لمحةً عامة حول حالة الهاتف وأقصى أداء يمكن أن يحققه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تعكس هذه الاختبارات الأداء الفعلي للهواتف؟ وهل يمكن الاعتماد عليها كمعيار للحكم على أداء الهواتف؟ الجواب على هذا السؤال مهم خاصةً بعد أن هلَّ الذكاء الاصطناعي على الهواتف الحديثة. لذا دعونا نتعمق في آلية عمل الأداتين المذكورتين تحديدًا والعوامل التي تؤثر على أداء الهواتف وكيف تتفاعل مع نتائج اختبارات الأداء.
اختبارات AnTuTu وGeekbench

اختبارات تقييم الأداء للهواتف 

الفرق بين AnTuTu و Geekbench

تعتبر منصتا "AnTuTu" و "Geekbench" من أشهر الأدوات المُستخدمة في قياس أداء الهواتف الذكية والتي يعتمد عليها كلٌ من المراجعين والمستخدمين العاديين لتقييم أجهزتهم عن طريق محاكاة ظروف وسيناريوهات استخدام مختلفة. كل اختبارٍ من الاختبارين يُركز على جوانب محددة ويعمل بآلية معينة، فبالنسبة لـ AnTuTu فهي أداة متكاملة تختبر أكثر من مكون للهاتف مثل المعالج، والمعالج الرسومي، والرامات، وواجهة الاستخدام، وذاكرة التخزين، ثم تقدم درجة نهائية تعكس الأداء العام للجهاز، ما يجعلها مفيدةً بالنسبة للمستخدمين الذين يرغبون بمعرفة كيف يتعامل هاتفهم مع المهام الثقيلة مثل الألعاب وتعدد المهام، ونظرًا لسهولة استخدامها، فهي تعد الخيار الأفضل بالنسبة للكثيرين.

AnTuTu

على الجانب الآخر، يُركز اختبار Geekbench على المعالج المركزي والرسومي تحديدًا، وأيضًا يُحاكي مهامًا واقعية مثل التعديل على الصور وتصفح الويب حتى يقيم أداء الجهاز تحت الأحمال المختلفة. يقدم Geekbench تقيمين رقميين مختلفين؛ الأول لقياس أداء النواة الواحدة للهاتف (يعكس أداء الهاتف في التعامل مع المهام الواحدة)، والثاني لقياس أداء تعدد الأنوية (تعامل الهاتف مع برامج أو مهام مختلفة في نفس الوقت) مما يجعله خيارًا قيّمًا لكل من يرغب بمعرفة أداء قوة المعالجة بهاتفه بالتفصيل.

وكما يُستَشف من الفقرات السابقة، يكمن الفارق الرئيسي بين الأداتين في نطاق اختبار الأداء لكلٍ منهما بالإضافة إلى التقييم النهائي، فأداة Geekbench تُركز بشكلٍ أساسي على المعالج وكفاءته في التعامل مع المهام المختلفة سواء كانت تحتاج نواة واحدة أو عدة أنوية، ونظرًا لأنه يحاكي سيناريوهات الاستخدام الواقعية مثل تحرير الصور وتصفح الإنترنت، فإن نتائجه تكون أكثر ارتباطًا بأداء الهاتف في الاستخدام اليومي المعتاد، وإن كان هذا لا يبرر الاعتماد عليه بالمطلق كما سنرى لاحقًا.

في المقابل، يتخذ AnTuTu نهجًا أكثر شمولية في اختبار الأداء، حيث يتجاوز مجرد اختبار المعالج ويقيس أداء المكونات التي تحدثنا عنها بالأعلى، كما أن اختباراته قد لا ترتبط بالاستخدام اليومي حيث يختبر الرسومات ثلاثية الأبعاد ويحاكي الألعاب الضخمة، ما يعني أنه يدفع الهاتف لأقصى إمكانياته، ولهذا لا عجب أن اللاعبين والمستخدمين الذين يبحثون عن الأداء العالي يفضلونه عن Geekbench وبقية الأدوات المشابهة.

هل يُعتَمد على AnTuTu وGeekbench؟

نأتي الآن للسؤال الأهم في هذا المقال، وإجابته المختصرة كالآتي: إذا كنت ستعتمد على اختبارات AnTuTu و Geekbench – وغيرهما – كمؤشرٍ مبدأيّ فقط لمعرفة أداء الهاتف، فالجواب سيكون نعم. أما في حال أردت أن تعتمد عليهما كليًا لمعرفة أداء الهاتف مع الاستخدام الفعلي، فلا يُنصَح بذلك، ودعونا نوضح أكثر في السطور التالية.

كما تعلمون، تعتمد الهواتف على بطاريات صغيرة نسبيًا، وهو قيد يفرض تحديًا كبيرًا على الشركات المصنعة لشرائح المعالجة المستخدمة في هذه الهواتف. هذا التحدي يتمثل في تحقيق أداء عالٍ مع الحفاظ على عمر بطارية مقبول، وهنا الحل الذي تتبناه معظم الشركات هو تصميم المعالجات بأنوية متنوعة، بحيث تُخصص بعض النوى للأداء العالي وأخرى لكفاءة استهلاك الطاقة، ما يسمح للهاتف بتوزيع المهام بشكل ذكي بين هذه النوى اعتمادًا على متطلبات الأداء والطاقة.

Stress Test on Smartphone

لكن يظل هناك تحدي آخر وهو إدارة الحرارة التي يولدها المعالج. فعلى عكس أجهزة الكمبيوتر التي يمكنها الاعتماد على أنظمة تبريد متطورة، تفتقر الهواتف الذكية إلى هذه الميزة بسبب قيود الحجم والتصميم. تُدرك الشركات المصنعة أن ارتفاع درجة حرارة الهاتف لا يؤدي فقط إلى شعور غير مريح للمستخدم، بل يمكن أن يؤثر سلبًا على أداء المعالج وعمر البطارية على المدى الطويل. لذلك، تضطر بدورها إلى وضع حدود لأقصى أداء يمكن للمعالج تحقيقه من أجل الحفاظ على درجات حرارة معقولة.

هنا تكمن إحدى المشكلة الرئيسية مع اختبارات الأداء مثل AnTuTu وGeekbench. هذه الاختبارات تعتمد سيناريوهات محاكاة غير واقعية ولا تعكس استخدامات الهاتف المعتادة، حيث تدفع الهاتف للعمل بأقصى طاقته لفترة قصيرة، وهو وضع نادرًا ما يحدث في الاستخدام اليومي العادي. في الواقع، تعمل معظم الهواتف بمستويات أداء أقل بكثير معظم الوقت للحفاظ على توازن بين الأداء وعمر البطارية والحرارة.

نتيجة لذلك، قد تعطي هذه الاختبارات صورة مضللة عن الأداء الفعلي للهاتف في الظروف العادية. فالهاتف الذي يحقق نتائج مبهرة في الاختبارات قد لا يكون بالضرورة الأفضل في الاستخدام اليومي، خاصة إذا كان يضحي بعمر البطارية أو يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة. لذا، من الإجحاف أن تحكم على هاتفك بناءً على هذه الاختبارات لأنك قد تحتاج أداءً فعليًا أقل بكثير من أداء هاتفك تحت الضغط.

قوة المعالج وحدها لا تعبر عن أداء الهاتف

كما أشرنا، تُركز اختبارات AnTuTu وGeekbench على إبراز قوة المعالج المُستخدم، والتي يظن البعض انها تعبر عن أداء الهواتف الذكية في العموم، وهذا اعتقاد خاطئ تمامَا. نظام التشغيل والواجهة المستخدمة لهما تأثير كبير على تجربة المستخدم وعلى الأداء الملموس للهاتف.

شركة مثل أبل، على سبيل المثال، تتميز بقدرتها على تحقيق تناغم فريد بين الهاردوير والسوفتوير. فهي تصمم معالجاتها ونظام التشغيل الخاص بأجهزتها (iOS في حالة الآيفون)، الأمر الذي يمكنها من برمجة آلية تواصل التطبيقات والنظام مع مكونات الهاردوير بشكل يحقق الكثير من الفرق في الأداء إلى جانب قوة المعالج. هذا التناغم يفسر جزئيًا لماذا تستطيع هواتف آيفون تحقيق أداء سلس ومميز حتى مع مواصفات تقنية قد تبدو أقل من منافسيها على الورق.

في عالم أندرويد، نجد أن شركات مثل سامسونج وهواوي وجوجل تتبع نهجًا مشابهًا إلى حد ما. فهذه الشركات تطور معالجاتها الخاصة (Exynos و Kirin و Tensor على التوالي) وتقوم بتخصيص نظام أندرويد بشكل كبير من خلال واجهات المستخدم الخاصة بها. هذا النهج يمكنها من تحقيق مستوى أعلى من التحسين والأداء مقارنة بالشركات التي تعتمد فقط على المكونات والبرمجيات الجاهزة.

Testing Smartphone

بالإضافة إلى ذلك، علينا ان نتفهم حقيقة أن الهواتف لا تعمل بكامل طاقتها إلا في مراحل نادرة. الاستخدام اليومي المعتاد مثل تصفح الإنترنت، واستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، وحتى تشغيل معظم الألعاب لا يتطلب عادةً الأداء الأقصى للمعالج. ولو افترضنا أن هناك مهمة تحتاج من الهاتف قوة معالجة إضافية، مثلًا عند تعديل الفيديوهات أو تشغيل ألعاب معقدة، فإنه عادة ما يرفع أداءه لفترة وجيزة فقط. كما أشرنا، يساعد هذا النهج في الحفاظ على توازن بين الأداء وعمر البطارية والحرارة. لذلك، فإن الأداء الحقيقي الذي يهم معظم المستخدمين هو مدى سرعة وسلاسة الهاتف في المهام اليومية مثل فتح التطبيقات والتنقل بينها، وأدائه مع الألعاب الشائعة. هذه الجوانب من الأداء لا تنعكس بالضرورة في نتائج اختبارات AnTuTu وGeekbench.

عامل آخر يؤثر بشكل كبير على أداء الهاتف أيضًا هو جودة التطبيقات نفسها. من الضروري إدراك أنه حتى مع وجود أقوى المعالجات، يمكن للتطبيقات المصممة بشكل معقد وفوضوي أن تؤدي إلى تجربة استخدام بطيئة ومحبطة.

في السنوات الأخيرة، تحسنت جودة معظم التطبيقات بشكل كبير، مع تركيز المطورين على الأداء وكفاءة استخدام موارد الهاتف. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التطبيقات، حتى من الشركات الكبرى، تعاني من مشاكل في الأداء. على سبيل المثال، تطبيق فيسبوك وغيرها من تطبيقات "ميتا" المختلفة معروفة بكونها ثقيلة، مما يؤدي إلى بطء في الأداء حتى على الهواتف عالية الإمكانيات. هذا يوضح أن قوة المعالج وحدها ليست ضمانًا لتجربة استخدام سلسة، وأن جودة "السوفتوير" تلعب دورًا حاسمًا في الأداء الفعلي.

بعض الشركات تستخدم الاختبارات للتضليل

System Performance Mode

من الطبيعي في عالم المنافسة الشرسة بين مصنعي الهواتف الذكية أن تظهر ادعاءات حول قيام بعض الشركات باستخدام اختبارات الأداء الخاصة بـ AnTuTu وGeekbench لتضليل المستخدمين. ثبوت صحة هذه الادعاءات معقدًا نوعًا ما لكن بالفعل توجد شركات – مثل OnePlus – اتُهمت بتصميم أنظمتها للتعرف على تطبيقات الاختبار وإعطائها "وصولاً خاصًا" إلى الأداء الأقصى للهاتف. هذا الأداء الأقصى عادة ما يكون غير متاح للتطبيقات العادية لأسباب تتعلق بالحفاظ على عمر البطارية والحد من ارتفاع الحرارة.

من وجهة نظر تقنية بحتة، يمكن القول إن هذه الممارسة لا ينطبق عليها وصف "الغش" نظرًا لأن النتائج التي تظهر في الاختبارات تعكس أداءً حقيقيًا يمكن للهاتف تحقيقه في مرحلة ما. ولكن بالطبع هو نوع من التضليل، فبتلك الطريقة تعكس الاختبارات صورة غير دقيقة عن الأداء الفعلي للهاتف مع الاستخدام اليومي. وأما عن آلية عمل هذه الممارسة، فإنها في الواقع تعتمد على تقنيات بسيطة. كل تطبيق على متجر Play Store يمتلك "اسمًا رمزيًا" فريدًا يمكن رؤيته في رابط التطبيق على المتجر (بعد وسم =details?id). هذا الاسم الرمزي ثابت ولا يتغير مع تحديثات التطبيق.

يمكن لمصنعي الهواتف برمجة أجهزتهم للتعرف على الأسماء الرمزية لتطبيقات الاختبار الشهيرة وتفعيل وضع الأداء الأقصى عند تشغيلها. هذا يؤدي إلى تحقيق نتائج مبهرة في الاختبارات، ولكنها – مرة أخرى – لا تعكس الأداء الحقيقي في الاستخدام اليومي.

هذه الممارسات تثير تساؤلات أخلاقية وعملية. من ناحية، يمكن اعتبارها شكلاً من أشكال التسويق المضلل. من ناحية أخرى، يمكن النظر إليها على أنها جزء من طبيعة المنافسة في سوق الهواتف المعروف بكونه شديد التنافسية. المشكلة الحقيقية تكمن في تأثير هذه الممارسات على قرارات الشراء للمستهلكين. فالكثيرون يعتمدون على نتائج هذه الاختبارات كمؤشر رئيسي لأداء الهاتف، مما قد يساهم في اتخاذ قرارات شراء غير مثالية.

ختامًا، تقدم اختبارات AnTuTu وGeekbench رؤى مفيدة وعامة حول جوانب معينة من أداء الهاتف، إلا أنهما يعجزان عن قياس التجربة الإجمالية الحقيقية للاستخدام، فالاعتماد على المحاكاة المبالغ فيها، والافتقار إلى المقاييس الواضحة، والتحيزات المحتملة، وغيرهما من العوامل التي ناقشناها والتي لم نناقشها تُبرر الاعتماد على التجربة الشخصية وفقط من أجل الحكم على الهاتف.
أحمد صفوت صلاح الدين
أحمد صفوت صلاح الدين
كاتب محتوى تقني وصحفي علمي، لي مساهمات عدة في مواقع عربية مختلفة مثل أراجيك، وإضاءات. أهوى الكتابة عمومًا وأريد أن أصنع فارقًا.
تعليقات

احدث المقالات