المعالج من أهمّ مكوّنات أجهزة الكمبيوتر والهواتف، بل يعتبر بمثابة العقل الإلكترونيّ الذي لا غنى عنه لتشغيل أيّ جهاز ذكيّ. تكمن أهمّية المُعالجات في كونها مسؤولة عن إجراء كافّة عمليّات المُعالجة الحوسبيّة وتنفيذ جميع التعليمات والأوامر البرمجيّة، لذلك عادةً ما يوليها المُستخدمون المحترفون عناية خاصّة عند شراء كمبيوتر أو ترقيّة مكوّنات الكمبيوتر الحاليّ. هُناك العديد من الاعتبارات والمواصفات التي تلعب دورًا هامًّا في اختيار المعالج المناسب للجهاز، مثل سرعة المُعالج وحجم ذاكرة التخزين المؤقّت وما إذا كان المُعالج أحاديّ النواة أو مُتعدّد النوى، ومن بين المُصطلحات الشائعة الأخرى والتي ترتبط أيضًا بوحدات المُعالجة المركزيّة مُصطلح الدقّة النانومتريّة للمُعالج فتجد على سبيل المثال مُعالجات بدقّة 7 نانومتر وأخرى بدقة 14 نانومتر. فما هي دقّة المُعالج؟ وكيف يُمكن أن تؤثّر هذه الدقّة على أداء الجهاز ككُلّ؟
النانومتر في المعالجات
ما المقصود بدقّة وحدة المُعالجة المركزيّة؟
تُصنع مُعالجات الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الذكيّة بشكل عام من شريحة من مادة شبه موصّلة كالسيليكون يتمّ حفرها باستخدام الطباعة الحجريّة الضوئيّة وتزويدها بمليارات الترانزستورات دقيقة الحجم للغاية بحيث يُقاس طول الترانستور الواحد منها بوحدة النانومتر، والذي يساوي جزءًا من المليار من المتر (0.0000000001 متر). تُستخدم هذه الترانزستورات لنقل الإشارات الكهربائيّة، ويُشار إلى حجم الترانزستور الواحد بمُصطلح «دقّة المُعالج»، أيّ أنّ المُعالج الذي تبلغ دقّته 10 نانومتر يحتوي على مليارات الترانزستورات التي يبلغ طول كُلّ واحد منها 10 نانومتر.
كيف تؤثّر دقّة المُعالج على أداء الكمبيوتر أو الهاتف ؟
يلعب مفهوم دقّة المعالج دورًا فعّالًا في تحديد الأداء الذي يُمكن الحصول عليه من المُعالج وسُرعة مُعالجته وكفاءة استخدام المُعالج للطاقة. يُمكن القول بشكل عام أنّه كُلّما انخفضت دقّة المُعالج كُلّما كان المُعالج أفضل، أيّ أنّ مُعالجًا دقّته 10 نانومتر يُمكنه أن يجعل أداء جهاز الكمبيوتر أفضل وأسرع مُقارنةً بمُعالج من نفس الحجم تبلغ دقّته 14 نانومتر، فالدقّة الأقلّ تعني كما ذكرنا أنّ حجم كُلّ واحد من مجموعة الترانزستورات المكوّنة لوحدة المُعالجة المركزيّة أصغر، وهو ما يسمح للمُصنّع بزيادة عدد الترانزستورات المكوّنة للمُعالج، ويُعزّز هذا العدد الإضافيّ من الترانزستورات من قوّة المُعالج وقدراته الحوسبيّة بطبيعة الحال.
تؤدّي كثافة الترانزستورات أيضًا، أيّ زيادة عدد الترانزستورات المُتراصّة في نفس حيّز شريحة المُعالج، إلى تقليل المسافات البينيّة الفاصلة بين هذه الترانزستورات وبعضها البعض ممّا يعني سُرعة وصول الإشارات الكهربائيّة بينها، وهو ما ينعكس بدوره على تحسّن أداء المُعالج وزيادة سُرعة مُعالجته. وحتّى إذا قرّر المُصنّع الإبقاء على عدد الترانزستورات في الشريحة كما هو، فإنّ صغر حجم الترانزستورات يسمح له بتقليص حجم الشريحة، وبالتالي تنخفض تكلفة إنتاجها فينخفض سعرها.
تستهلك الترانزستورات الأصغر حجمًا كذلك قدرًا أقلّ من الطاقة مُقارنةً بالترانزستورات الأكبر حجمًا، وهو ما يعني أنّ المُعالجات ذات الدقّة الأقلّ بالنانومتر تستهلك طاقة أقلّ لأداء نفس المهام، وبالتالي فإنّها تكون أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من المُعالجات ذات الدقّة المُرتفعة بالنانومتر. يكون هذا الانخفاض في الطاقة المستهلكة مصحوبًا أيضًا بإنتاج قدر أقلّ من الحرارة، نظرًا لوجود علاقة طرديّة بين استهلاك الطاقة وانبعاث الحرارة المُصاحب لها، وبالتالي تحتاج المُعالجات الأقلّ دقّة إلى تبريد أقلّ للتغلّب على الحرارة المُنبعثة وتفادي أضرارها، أي أنّ مراوح تبريد المُعالج ستعمل بمُعدّلات أقلّ، وتستهلك مقدارًا أقلّ من الطاقة لتشغيلها، وهو ما يُزيد من كفاءة استهلاك الجهاز للطاقة، ويُطيل من عمر البطّاريّة بالنسبة للأجهزة المحمولة.
يُمكن فهم أثر الدقّة النانومتريّة للمُعالجات على أداءها وسُرعة مُعالجتها وكفاءة استهلاكها للطاقة بصورة عمليّة إذا لاحظنا الفارق بين أداء هاتف هاتف سامسونج جالاكسي إس 22 بلس وهاتف إنفينكس نوت 10 برو الذان يتشابهان في مُعظم المواصفات تقريبًا، فكلاهما مزوّد بمعالج ثمانيّ النواة بحجم متساوي، وذاكرة وصول عشوائيّ (RAM) بسعة 8 جيجابايت مع ذاكرة تخزين داخلية بسعة 128 جيجابايت أو 256 جيجابايت، وشاشة بنفس الحجم، وعلى الرغم من ذلك نجد أنّ سُرعة المُعالجة وأداء الجهاز ككُلّ في حالة هاتف سامسونج المزوّد بمُعالج بدقّة 4 نانومتر أفضل بكثير من هاتف إنفينكس المزوّد بمُعالج دقّته 12 نانومتر.
تتنوّع المُعالجات المتوفّرة في الأسواق العالميّة حاليًّا من حيث الدقّة النانومتريّة، ففي عام 2014 قدّمت شركة إنتل أوّل مُعالج حاسوبيّ بدقّة 14 نانومتر، والذي ظلّ مُستخدمًا لعدّة سنوات حتّى نوفمبر 2021 عندما أصدرت الشركة الجيل الثاني عشر من مُعالجاتها، والذي تميّز بنوى هجينة، وبدقّة بلغت 10 نانومتر، ومن المُنتظر أن تطرح الشركة إصدارًا جديدًا من مُعالجاتها بدقّة 7 نانومتر كان من المُقرّر طرحه في عام 2022 قبل أن ترجئ إنتل إطلاقه إلى وقت لاحق.
دفع هذا شركة أبل إلى إحراز بعض التقدُّم على إنتل بعدما استطاعت بالفعل طرح شريحة A12X المصنوعة بدقّة 7 نانومتر، والتي سمحت للمُعالج بأن يوفّر أداءًا أفضل بنسبة 25% بنفس القدر من الطاقة المُستهلكة، أو يوفّر نفس الأداء باستهلاك نصف مقدار الطاقة فقط. وسُرعان ما لحقت بها شركة AMD أكبر مُنافسي إنتل عندما طرحت سلسلة من المُعالجات المصنوعة بدقّة 7 نانومتر في الأسواق من بينها مُعالج AMD Ryzen 7 5750G ومُعالج AMD Ryzen 7 5800G. ظهرت في الأسواق بعد ذلك مُعالجات بدقّة 5 نانومتر، ثُمّ أتبعتها مُعالجات بدقّة 4 نانومتر، ومن المُرتقب أن تُقدّم AMD أوّل مُعالج بدقّة 2 نانومتر بحلول عام 2025، وهو ما يُبشّر بجيل جديد من المُعالجات عالية الكفاءة. على الرغم من ذلك، فإنّ مُعالجات إنتل لا تزال تحتلّ الصدارة حتّى الآن بفضل تفوّقها من حيث النوى وسُرعة المُعالجة.
المُلخّص | في جميع أجهزة الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الذكيّة تتشكّل وحدات المُعالجة المركزيّة (المُعالجات) من مليارات الترانزستورات المُصفوفة معًا على شريحة إلكترونيّة، يقوم المُعالج من خلالها بإجراء كافّة عمليّات المُعالجة الحاسوبيّة وتنفيذ جميع الأوامر البرمجيّة، ويُمكن تعريف دقّة المُعالج بأنّها طول الترانزستور الواحد مُقاسًا بوحدة النانومتر التي تساوي جزءًا من المليار من المتر.
تؤثّر دقّة المُعالج المُقاسة بوحدة النانومتر بصورة مُباشرة على أداء المُعالج وسُرعته وكفاءة استهلاكه للطاقة بحيث يكون أداء المُعالج وسُرعة مُعالجته أفضل ما يُمكن كُلّما انخفضت دقّته، نظرًا لإمكانيّة حشد المزيد من الترانزستورات الأصغر حجمًا في نفس الحيّز من المُعالج، وهو ما يُزيد من قوّة حوسبة المُعالج بالإضافة إلى جعل المسافات البينيّة بين الترانزستورات وبعضها البعض تقلّ، فتنتقل الإشارات الكهربيّة بينها بصورة أسرع. كذلك تزداد كفاءة استخدام المُعالج للطاقة كُلّما انخفضت دقّته بالنانومتر، نظرًا لأنّ الترانزستورات الأصغر حجمًا تستهلك طاقة أقلّ، وتُنتج حرارة أقلّ، فتحتاج بالتالي إلى تبريد أقلّ، وهو ما يعني أنّ مراوح التبريد ستعمل لفترات أقلّ وتستهلك بدورها مقدارًا أقلّ من الطاقة ممّا يُحافظ على شحن البطّاريّة لعمر أطول.