لا يخفى على أحد أن مايكروسوفت مُهتمة بالذكاء الاصطناعي وتستثمر فيه بمجهودها قبل أن يكون بأموالها. ومؤخرًا، خلال حدث Microsoft May 2024 حيث تم الإعلان عن فئة جديدة من أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام ويندوز والمدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي تحت مُسمى "كوبايلوت بلس" +Copilot؛ كشفت مايكروسوفت عن ميزة جديدة تُدعى "الاستدعاء" Recall والتي تؤدي وظيفة مُهمة جدًا وستغير مفهومنا تمامًا عن ميزة البحث الموجودة بحواسيبنا، ولكن في الوقت نفسه، تُثير بعض المخاوف بشأن الخصوصية والأمان، حيث من المفترض أن تعمل كذاكرة فوتوغرافية للكمبيوتر لإتاحة القدرة على الوصول إلى كل ما شاهدته أو قمت به أثناء استخدامك للجهاز. بدون إطالة، دعونا نشارك معكم أبرز التفاصيل عنها.
ميزة Recall في ويندوز 11
أولًا: ما هي ميزة "الاستدعاء" Recall ؟
كثيرًا ما ننسى مسار تخزين الملفات الضرورية على حواسيبنا ونُعول على ميزة البحث لكي نجدها. على سبيل المثال: إذا كنت طالبًا جامعيًا، فقد يختبئ مستند الـ Word الخاص بمشروعك البحثي – دعنا نُسميه "مشروع الجامعة" – في فولدرٍ داخل فولدر داخل فولدر على الهارد وأنت لا تتذكر مساره فتفتح "مُستكشف الملفات" File Explorer وتكتب في خانة البحث "مشروع الجامعة" وتجده، وهذه ميزة مفيدة لا ريب، ولكن ماذا لو كنت نسيت أصلًا أن اسم الملف هو "مشروع الجامعة"؟ كان سيتعين عليك التفتيش في جميع مجلدات الحاسوب يدويًا وإضاعة كمية غير معقولة من الوقت حتى تجده.
أتت مايكروسوفت الاثنين المنصرم بميزة "الاستدعاء" Recall (والتي كانت تُعرف داخليًا، أي أثناء عملية التطوير، باسم AI Explorer) لحل هذه المشكلة، إذ ستستخدم هذه الميزة الجديدة الذكاء الاصطناعي لتفهم اللغة الطبيعية وتجد لك أي ملفٍ تريده بسؤالٍ بسيط يحمل أي دلالة مُمَيِّزة، فإذا نسيت اسم ملف مشروعك البحثي مثلًا، يمكنك أن تطلب من الأداة الآتي: "أين يمكنني العثور على مشروعي البحثي الذي تحدثت فيه عن كذا؟"، لا نعلم ما إذا كانت الأداة ستدعم العربية أم لا، ولكن بحسب مايكروسوفت فإن الميزة تدعم حاليًا اللغات: الإنجليزية، الصينية، الفرنسية، الألمانية، اليابانية، والإسبانية.
بعبارة أخرى، تعمل ميزة Recall بشكل دائم في الخلفية طوال مدة استخدامك للكمبيوتر، ثم تحتفظ بكل تراه وتفعله في الوقت الفعلي عبر كافة التطبيقات والبرامج، وحتى رؤية المحادثات أو صفحات الويب أو المستندات أو الصور أو مقاطع الفيديو التي تفتحها. بشكل أكثر تحديدًا، تعمل الميزة على حفظ لقطات شاشة باستمرار ثم تحلل المحتوى المعروض في كل لقطة أو "Snapshot" واستخدام المعلومات التي تجمعها من هذه اللقطات في تكوين ذاكرة ضخمة يمكن الاستناد إليها في العثور على محتوى سبق وشاهدته من قبل على الجهاز — الأمر أشبه بوجود شخص لديه ذاكرة صوَرية يراقب ويرى ما تفعله طوال الوقت.
ولا يقتصر أسلوب Recall على البحث فقط، بل ستكون الميزة مُدمجة في معظم تطبيقات ويندوز ويمكن الوصول إليها مباشرًة من خلال الأيقونة الجديدة الموجودة على شريط المهام لتظهر واجهة المخطط الزمني حيث يمكن للمستخدمين التمرير عبر اللقطات المختلفة التي احتفظت بها الميزة أثناء استخدامك للكمبيوتر، ما يجعل الوصول إلى المحتوى المطلوب أسرع.
ثانيًا: هل Recall تشكل تهديدًا للخصوصية حقًا ؟
بالضبط، هذا هو السؤال المهم، إذ لو كانت الميزة ستستطيع العثور على جميع الملفات بهذه الطريقة وكأنها تراقبنا وتُخزن ما نفعله على سيرفرٍ ما، كيف يمكننا أن نثق بها ونستخدمها دون القلق على خصوصيتنا وأماننا؟ لتستوعب خطورة الأمر دعنا نذكرك مجددًا بالطريقة التي ستعمل بها "Recall": بجانب البحث عن الملفات بالمعنى التقليدي، فباستخدامك لهذه الميزة ستحصل على لقطاتٍ للشاشة في أوقاتٍ محددة، فإذا كنت تعمل على المشروع البحثي في الساعة الرابعة عصر الجُمعة الماضية مثلًا، فستستطيع أن تستخدم هذه الميزة لتحصل على لقطات الشاشة في ذلك الوقت! معلومات كهذه لا يجب أن تُخزَن على سيرفرات مايكروسوفت.
من جانبها، طمأنتنا مايكروسوفت وقالت إن جميع البيانات ستكون مُخزنة على الحاسوب الشخصي نفسه، كما تتوفر خيارات تحكم تتيح للمستخدم إما تعطيل الميزة نهائيًا أو بشكل مؤقت أو تحديد المعلومات التي يمكن لـ Recall التقاطها. وفي كل الأحوال ستكون المعلومات المخزنة مُشفرة بحساب المستخدم، وهذا منطقي كونها تتطلب وحدة تخزين بمساحة 256 جيجابايت، منهم 50 جيجابايت – على الأقل – فارغين.
ولكن المشكلة ليست بمايكروسوفت – بافتراض النية الحسنة – وإنما بالمخترقين والملفات الخبيثة التي يمكنها أن تخترق الحاسوب وتصل لكل هذه البيانات بسهولة، ناهيك أن فكرة عمل هذه الميزة هي مشكلة بحد ذاتها، فبعيدًا عن التفاصيل السريعة التي سنتحدث عنها بعد قليل، تعتمد "Recall" على الذكاء الاصطناعي ونحن نعلم جميعًا أن الـ "AI" لا يمكن الوثوق به في مسألة الخصوصية وأنه يُخرّف علاوة على احتمالية الوصول إلى قواعد البيانات التي ستُستَخدم في هذا النموذج من خلال اختراقها أو أي سيناريو آخر لا نعرفه. على كلٍ، سنشارككم رأينا بمسألة الخصوصية هذه في النهاية، أما الآن، فدعونا نعرف...
ثالثًا: متطلبات استخدام ميزة Recall
بما أنها تعمل بالذكاء الاصطناعي فستحتاج إلى ما يُسمى بوحدة المعالجة العصبية Neural Processing Unit لكي تعمل، والتي تكون عبارة عن شريحة تُضاف إلى جانب المعالجين المركزي والرسومي لمعالجة المهام التي تستند إلى مميزات الذكاء الاصطناعي على الكمبيوتر (كي لا تزيد العبء على المعالج المركزي).
وتحتوي كثيرٌ من الحواسيب الحديثة – وستحتوي معظم الحواسيب المستقبلية – على هذه الشريحة، ولكنها لا تفي بالحد الأدنى المُتطلب لتشغيل عمليات الذكاء الاصطناعي المتطورة وهذا الحد الأدنى هو 40 تريليون عملية في الثانية (TOPs). لذلك أطلقت مايكروسوفت فئة "كوبايلوت بلس" لوضع معايير ترسخ ما يجب أن يكون عليه "كمبيوتر مزود بالذكاء الاصطناعي". استعرضت الشركة بالفعل العديد من أجهزة اللابتوب الجديدة المنتمية لهذه الفئة والمبنية على معمارية المعالجة "Arm" والقادرة على تشغيل المزايا الحصرية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل "Recall" بسلاسة.
على الهامش: هناك فرقٌ بين الـ "TOPs" والـ "TFLOPs"، فعلى الرغم من أن كليهما يُستخدم لقياس الأداءات الحاسوبية، فإن المصطلح الأول عادة ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي وقياس أداء وحدات المعالجة العصبية مُعتمدًا على معايير مثل FP16، و BFloat16 و BF16. أما الـ "TFLOPs" فعادةً ما يُستخدم لقياس أداءات كروت الشاشة والحواسيب الخارقة.
الجدير بالذكر أن المساحة الافتراضية التي تُخصصها ميزة "Recall" للاحتفاظ بالبيانات – التي تخصصها وليست التي تحتاجها – هي حوالي 25 جيجابايت، وهي مساحةٌ كافية لتخزين البيانات لمدى 3 شهور تقريبًا وعند امتلائها، ستحذف البيانات القديمة لتُفرغ مكانًا للجديدة، وإذا كنت تريد مساحة أكبر فستستطيع أن تُخصص ذلك من الإعدادات ضمن تطبيق Settings في ويندوز 11.
ختامًا، وبالعودة لمدى أمان هذه الميزة وما إذا كان يمكن الاعتماد عليها واستخدامها أم لا، فنحن نقترح انتظار المزيد من التفاصيل والأهم من ذلك انتظار تجربة المستخدمين الفعلية وآرائهم على أقل تقدير، فميزة "Recall" لا تزال في مرحلة المراجعة ومايكروسوفت الآن تختبر تجربة البعض وآرائهم حتى تُحسن من التجربة. بانتظار الإطلاق الرسمي لهذه الميزة – والمتوقع أن يكون في يوم 16 يونيو القادم – حتى نتحدث عنها بمزيد من التفاصيل مُستكشفين سويًا كيف يمكننا استخدامها والاستفادة منها بأفضل الطرق الممكنة.