جعلت وحدات الـ SSD التخزينية من "الهارد درايف" العاديّ أو كما يُعرَف بالـ HDD «موضةً قديمة» نظرًا لما تقدمه من مميزات هائلة على مستوى السُرعة والتحمل واستهلاك الطاقة، إلخ من المميزات التي سبق وتحدثنا عنها على مدار مجموعة من المقالات السابقة على المدونة. وعلى الرُغم من ذلك، تشيع خرافات – لا ندري من أين – قد تجعلك تعزف عن قرار شراء SSD للكمبيوتر الخاص بك، وهو القرار الذي قد يُغير مفهومك عن استخدام الحاسوب حرفيًا. من هذا المنطلق أردنا أن نستعرض أشهر هذه الخرافات ونُفنّدها مؤكدين على أهمية الـ SSD وأن استخدامه في أجهزة الحواسيب المختلفة لم يعد رفاهية بل ضرورة!
أساطير ومفاهيم خاطئة حول الـ SSD
الخرافة الأولى: العمر الافتراضي للـ SSD قصير
منذ الأيام الأولى التي شهدنا فيها أقراص تخزين الـ SSD، وهناك شكوك مطروحة حول عمرها الافتراضي، خصوصًا وأن أحجامها الهزيلة لا تُبشر بالخير إذا ما قارنّاها بأقراص الـ HDD الصنديدة. لحسن الحظ أنه تم اختبار مدى صحة هذا الادعاء على مدار عشرات السنين – كون أقراص الـ SSD موجودة منذ التسعينات – وما تم اكتشافه هو ان هذا الادعاء هو هراء محض! يكفي أن تعلم بوجود مراكز بيانات كاملة لدى بعض الشركات تعتمد بشكل جزئي على وحدات الـ SSD بعدما كانت الـ HDD هي المسيطرة على سوق التخزين لمراكز البيانات، وبالتأكيد لن تعتمد شركة على وحدات تخزين ذات عمر قصير في مراكز البيانات الخاصة بها حتى ولو على حساب السرعة المذهلة التي تقدمها تلك الوحدات.
بخصوص هذه النقطة، يجدر بنا الإشارة إلى أحد أهم المعايير التي تُحدد عُمر الـ SSD الافتراضي هو مقياس "مجموع البيانات المكتوبة" أو كما يُعرف بالـ TBW (اختصارًا لـ TeraBytes Written) وقد سبق لنا تخصيص موضوع كامل حول ماهية مصطلح TBW في هارد الـ SSD لذا نوصي بمراجعته لمعرفة المقصود به بالتفصيل. ولكن سريعًا، الـ TBW يُعنَى به حجم البيانات الذي يستطيع الـ SSD أن يُعالجه ويكتبه "تراكميًا" قبل أن يدخل في مرحلة التلف. في أغلب وحدات الـ SSD، يتناسب هذا الحجم طرديًا مع حجم القرص نفسه، فقيمة الـ TBW لهارد SSD حجمه 1 تيرابايت – مثلًا – تفوق، وبكثير، قيمة الـ TBW لآخر حجمه 500 جيجابايت.
إذا ضربنا مثالًا عمليًا وتحدثنا بالأرقام، سنجد أن قيمة TBW لـ SSD حجمه 1 تيرابايت تُساوي 600 تيرابايت تقريبًا، ولكي تتخيل مدى ضخامة هذا الرقم، فدعنا نُخبرك أنه لكي تصل لتلك القيمة في مدة 5 سنوات كاملة، ستحتاج إلى التعامل/معالجة أكثر من 328 جيجابايت من البيانات يوميًا — يُقصَد بالمعالجة هنا التعامل مع البيانات عمومًا من حيث عمليات الكتابة سواء بحذفها أو التعديل عليها، إلخ. وبهذا المُعدل يمكننا أن نقول إن عُمر الـ SSD الافتراضي قد يفوق عُمر الحاسوب نفسه وأنك قد تستخدم نفس القرص على أكثر من جهاز لأكثر من جيل بدون أدنى مشكلة.
الخرافة الثانية: وضع السُبات يُتلف الـ SSD
تعتبر هذه الخرافة امتدادًا لسابقتها من الناحية المنطقية، ولكنها كذلك تُشاطرها في كونها مجرد خرافة. إن "وضع الإسبات" Hibernation في نظام ويندوز بشكلٍ عام لا يضر الـ SSD. يعمل هذا الوضع كالآتي: عندما تهيئ جهازك للدخول في وضع الإسبات فإنه يحتفظ بكل العمليات المفتوحة ويُخزنها على وحدة الـ SSD بعد نقلها من الرامات في صورة ملف يُسمى "hiberfil.sys". تشمل العمليات المفتوحة جميع البرامج، وإعدادات النظام، والملفات غير المحفوظة، وأي نشاط تتولى الذاكرة العشوائية أمره في الوقت الراهن. ما أن تُعيد "إحياء" الجهاز من هذا الوضع، يُلاحظ النظام ملف وضع الإسبات فيبدأ من حيث انتهى بدلًا من الإقلاع العادي في وضع الـ Shutdown.
تحدث هذه العملية بسلاسة كبيرة، وحتى إذا كانت تؤثر على أقراص الـ SSD، فالتأثير أقل من أن يُذكَر فضلًا عن أنه أقل بكثير من أن يُتلِف وحدة التخزين، حتى وإن قمت بوضع الكمبيوتر في حالة الإسبات كل يوم، لن يُنقص ذلك ولو حتى أقل من 1% سنويًا من إجمالي قيمة الـ TBW التي أشرنا إليها. وبالتالي في المرة القادمة التي تتوقف فيها عن استخدام الجهاز، لا تقلق على الـ SSD الخاص بك من وضع الإسبات، أو وضع السكون Sleep، أو الإغلاق التام بلا ريب.
الخرافة الثالثة: الـ SSD جيدٌ في تسريع الإقلاع فقط
إذا سألت أي مستخدم جديد لأقراص الـ SSD عن مزاياها، فإن أول ما سيحدثك عنه هو دورها الكبير في زيادة سرعة إقلاع الويندوز، وهذا صحيحٌ بالتأكيد، إذ باستخدامك لوحدات الـ SSD فإنك بالكاد سترى شعار الويندوز من هول سرعة الإقلاع، وهذا لوحدهِ حافز للتخلي عن أقراص الـ HDD البطيئة للغاية. ومع ذلك؛ من الإجحاف أن نحصر مميزات الـ SSD في هذه الجزئية فقط، حيث تتمتع هذه الأقراص بمميزات أخرى كثيرة منها السرعة في إجراء كافة المهام – وليس الإقلاع فقط – والصوت المنخفض، وتوفير الطاقة، وأقل عُرضة لارتفاع درجة الحرارة، ناهيك أن حجمها الفيزيائي صغير.
لِما لقرص الـ SSD من أهمية ومميزات، قد يكون القطعة المفقودة التي يحتاجها جهازك، حتى وإن كان يتمتع بذاكرة عشوائية كبيرة وكارت شاشة RTX 4090 وأحدث معالجات إنتل؛ بغض النظر عن مواصفات جهازك فإنك لن تستفيد منه الاستفادة القصوى بدون SSD.
الخرافة الرابعة: أقراص الـ SSD تحتاج إلى إلغاء تجزئة
إذا بحثت على الإنترنت عن أفضل الطُرق لتحسين أداء الـ SSD، فستجد الكثير من النتائج التي ستوحي لك بأن هذا الأمر ممكن وحقيقي؛ بالضبط كما سترى نتائج لزيادة مساحة الرامات أو تقوية كارت الشاشة والمعالج لتشغيل أحدث الألعاب وما إلى ذلك من الترهات. في الواقع لا تحتاج أقراص الـ SSD منك سوى أن تُركبها في الجهاز وهي ستعمل بكامل كفاءتها ومميزاتها، وفي حال كنت تستخدم نظام ويندوز فسوف يتعامل مع الـ SSD بالشكل المناسب الذي يُطيل من عمره مثل تعطيل عملية إلغاء التجزئة والتي تضر بهذا النوع من وحدات التخزين كما أوضحنا في مقالة أقراص SSD وعملية إلغاء التجزئة.
عندما كانت هذه الأقراص التخزينية جديدة في السوق، لم تكن أنظمة التشغيل مُصممة لتتماشى معها؛ الـ HDD كان الخيار الأول والافتراضي، وهذا على عكس ما نراه اليوم، كلنا تقريبًا نستخدم أقراص الـ SSD لدرجة أننا لا نتذكر كيف يكون استخدام الحاسوب بدونها! ودعونا نُلفت الانتباه أيضًا لميزة TRIM الموجودة بشكل أساسي في كل وحدات SSD لتقوم بحذف كتل البيانات غير المُستخدمة وجعلها قابلة للاستخدام، وذلك لمنع تراكم البيانات غير المستخدمة والذي قد يسبب تباطؤ أداء الـ SSD. شرحنا بالفعل في مقال سابق ما هي تقنية TRIM وكيفية تفعيلها ولكن دعني أخبرك أن أقراص SSD الحديثة أصبحت ذكية بشكل كافٍ لتقوم بتشغيل هذه التقنية تلقائيًا كل فترة في صمت تام.
الخرافة الخامسة: يفقد الـ SSD بياناته إن لم تستخدمه باستمرار
منذ فترة ليست ببعيدة انتشرت شائعات مغرضة مفادها: إن لم تُزوّد الـ SSD بتيار كهربائي باستمرار، أي عدم توصيلها بالكمبيوتر، فستفقد البيانات المُخزَّنة عليه لأن مكوناته الإلكترونية ستعطب! وبحسب نفس الشائعات، فإن فقدان البيانات قد يحدث في غضون أسابيع قليلة أو حتى أيام من فصل التيار عن أقراص التخزين الرائعة هذه!
أغلب الظن أن هذه الشائعات نجمت عن فهم مغلوط لعرض تقديمي سابق كان الهدف منه تثقيف المستهلكين بشأن مخاطر فقدان البيانات من أقراص التخزين التي انتهى عمرها الافتراضي والموجودة بظروف مناخية قاسية. أقراص التخزين المقصودة هنا تختلف عن أقراص الـ SSD العادية التي نستخدمها كل يوم، والتي بحسب المواصفات القاسية؛ تستطيع الاحتفاظ بالبيانات لمدة سنة على الأقل بدون أن توصَّل بتيار كهربائي. وضع المصممون هذا الأمر في الحُسبان ويعلمون جيدًا أن المستخدمين ليسوا مُضطرّين لاستخدام الـ SSD على مدار الساعة.
الخرافة السادسة: الـ SSD باهظ الثمن مقارنة بالـ HDD
نظرًا لما تقدمه أقراص الـ SSD من مميزات تفوق أقراص التخزين العادية، فمن البديهي أن تكون الأغلى ثمنًا والأعلى قيمة، ولكن ليس كما يعتقد الكثيرون (من ناحية السعر). في البداية نعم؛ كانت أسعار الـ SSD خيالية، أما اليوم، وبسعر 50 دولارًا، تستطيع أن تشتري SSD مساحته التخزينية 1 تيرابايت!
من باب إحقاق الحق، يجدر بالذكر أننا ترددنا في ذِكر هذه الخرافة لأن الأمر مُعقد نوعًا ما؛ لقد قَلَبَ ارتفاع سعر الدولار الموازين في دولنا العربية، ولكي تستطيع شراء 1 تيرابايت من نوع SSD بسعر 50 دولارًا، عليك أن تكون من سكان الولايات المتحدة أو دول العالم الأول، ولكن إجمالًا؛ لا شك في أن أسعار الـ SSD قد انخفضت عن ذي قبل لدرجة أنها تُنافس أسعار الـ HDD الآن، ودليل ذلك أن جميعنا – بلا استثناء تقريبًا – نستخدمها.
ختامًا؛ أصبحت أقراص الـ SSD أكثر شهرة من أي وقت مضى، وبفضل المميزات التي تقدمها لحواسيبنا، لدرجة أنها قد تُحيي حاسوبًا عفا عليه الزمن، قد يأتي الوقت الذي لا نسمع فيه عن شيء يُسمى HDD التي لم يعد هناك طائل منها سوى في التخزين.