يتوغل الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات يومٌ تلو الآخر، وعلى الرغم من فوائده الجمة من تلخيص النصوص وتوليد الصور والحصول على المعلومات بشكل أسرع، إلا أن هناك حالة عامة من الفزع بسبب المخاطر التي قد تسببها هذه الآلات الذكية، لدرجة دفعت إيلون ماسك إلى وصف روبوت المحادثات الأشهر «ChatGPT» بأنه "أحد أكبر المخاطر التي تهدد حضارتنا"، وهذا لأسباب عديدة على مختلف الأصعدة، بما فيهم الخصوصية. كما تعلمون، الذكاء الاصطناعي يعرف عنا الكثير بالفعل، وبسبب تعامل الكثيرين معه بشكل منفتح، تزداد خوارزمياته قوة وتزداد درجة خطورتها. ولإيماننا الشديد بمسألة الخصوصية وأهميتها القصوى، قررنا أن نشارككم بعض النصائح للحد من تسلط الذكاء الاصطناعي على خصوصيتك.
1 لا تشارك بياناتك الشخصية مع روبوتات الدردشة
أتعجب ممن يتعاملون مع أنظمة الذكاء الاصطناعي على أنها صديق مقرب أو مستمع جيد للمسائل الشخصية! ولكني في نفس الوقت أعذرهم؛ فهذه الروبوتات "ذكية" بالمعنى الحرفي وتستطيع أن تساعدك في الكثير من الأمور، ولهذا يتكئ المستخدمون عليها حتى في أدق تفاصيل حياتهم وإن كانت الشخصية، وهذا ليس صحيحًا؛ ودليل ذلك أن جوجل نفسها تنصحك بألا تُشارك معلوماتك الشخصية مع روبوتها Bard! وقد ذكرنا في مقال سابق أن الثقة المفرطة تعُد من بين الأخطاء التي ينبغي تجنبها عند استخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي.
إذا كنت تتحدث مع ChatGPT أو Bard أو أي بوت ذكاء اصطناعي آخر على علاقاتك الشخصية مثلًا أو عن حالتك الصحية أو عن أي شيء يخصك بشكل مباشر، فهذا الأمر سيجعل حسابك منجم ذهبٍ بالنسبة للشركات المطورة لهذه الأنظمة فضلًا عن احتمالية استغلال الذكاء الاصطناعي لمعلوماتك بشكل أو بآخر. وعلى الرغم من أن الشركات الكبيرة والجديرة بالاحترام لن تستغل هذه المعلومات ضدك – على الأغلب – إلا أنها قد تسقط في أيدي المخترقين مثلًا وهؤلاء لا يرحمون. ناهيك أن هناك أشخاص حقيقيين تعينهم جوجل لمراجعة محادثاتك على Bard من أجل تعزيز قوة نموذج PaLM 2 الذي يستند إليه، ومن يدري مدى التزام هؤلاء الأشخاص بالمبادئ والقيم؟ لهذا في كل الأحوال لا تشارك المعلومات الشخصية الحساسة والبيانات السرية مع الذكاء الاصطناعي، ولا مع أي شيء/ شخص لا تثق به.
2 كن على حذرٍ مما تنشره على الإنترنت
الإنترنت ليس مكانًا آمنًا بأي حال من الأحوال، وكل ما عليه من معلومات عُرضة للخطر والاستغلال؛ فخوارزميات الذكاء الاصطناعي مبنية على هذه البيانات الموجودة على الشبكة العنكبوتية وكل ما تكتبه من نصوص أو تنشره من صورٍ أو فيديوهات أو مقاطع صوتية قد يؤخذ ضدك. لك أن تتخيل أن الشركات – وعلى رأسهم شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي OpenAI – ومطورو أنظمة الذكاء الاصطناعي يلهثون وراء أي نوع من أنواع البيانات والمعلومات الموجودة على الإنترنت لتدريب أنظمتهم الذكية وتكوين قاعدة بيانات أقل ما يُقال عنها أنها عملاقة.
وقد تتساءل: ما المشكلة أن أنشر لي ولعائلتي مقطع فيديو لطيف ونحن نستمتع على الشاطئ مثلًا؟ وقد تُفاجئ بإجابة صادمة تُندّمك على فعلتك إذا استغل أحدهم هذا المقطع واستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي المخيفة مثل تقنية DeepFake للتلاعب بما نشرته واستغلاله بشكل أخجل من الحديث عنه. ولهذا هنيئًا لكل من يتعامل مع الإنترنت، إذ تؤدي مشاركة الكثير من المعلومات الشخصية أو المحتوى المرئي عبر الإنترنت إلى زيادة خطر استخدام هويتك بطرق ضارة.
3 ابقَ غامضًا قدر المستطاع
تأكيدًا لما انتهينا به في الفقرة السابقة.. لدينا جميعًا ذلك الصديق الذي يخشى رفع صوره على الإنترنت، فضلًا حتى عن مشاركة اسمه الحقيقي، ناهيك أنه لا ينشر شيئًا إلا في أضيق الحدود. في السابق كنا نسخر من هذا الشخص، ولكن الآن لا يسعنا سوى التصفيق ورفع القبعة له، فيبدو أنه كان يستقرأ المستقبل! فالشركات الآن أصبحت تتقفى كل أثر لك على الإنترنت وتبيع بياناتك لشركات الإعلانات لكي تتربح منك بكل الأشكال الممكنة.
صورتك، اسمك، سجل البحث، نشاطك على الإنترنت بشكل عام، كل شيء تقريبًا أصبح عرضةً للبيع والاستغلال. حتى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على تكوين تصورٍ دقيق أو حتى مطابق لك عن طريق ربط بعض المعلومات البسيطة ببعضها البعض. لتقلل من فرص استغلالك وبياناتك قدر المستطاع، ابق غامضًا، استخدم VPN، أو اعتمد بشكل نسبي على خاصية التصفح الخفي ونوّع أسماء المستخدمين لحساباتك على المواقع، ودائمًا احرص على تقليل تواجدك على الشبكة العنكبوتية واستخدمها فقط أثناء الضرورة، والأهم من كل ذلك ألا تستخف ببياناتك وتقول "إنك لست الوحيد وإن بياناتك لا قيمة لها" وما على شاكلتها من ترهات أخرى لا يتحدث بها سوى المغيبين.
4 استخدم كلمات سر قوية لحساباتك
تتردد نغمة "استخدم كلمة سر قوية" في كل المواقع والمنصات تقريبًا، ولكن مع وجود أدوات جبارة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لم تعد كلمات السر القوية "قوية" بما يكفي للصمود أمام هذه الأدوات. على سبيل المثال، هناك نموذج ذكاء اصطناعي يُسمى PassGAN يستخدم خوارزميات متقدمة جدًا لتخمين كلمات السر المعقدة؛ إذ إنه مُدربٌ على الملايين من أرقام السر الحقيقة والمُسربة من قواعد البيانات الضخمة.
وعلى الرغم من أن فاعلية هذه الأدوات قد لا تكون مؤثرة إلى الحد الذي لا يجعلنا نأتمن على كلمات السر خاصتنا، إلا أنها تثير القلق بشكل كبير، لا سيّما وأن بعض هذه الأدوات تعتمد على تقنيات الهندسة الاجتماعية للوصول إلى كلمات السر، مما يعني أنك يجب أن كل باسورد تستخدمه معقد قدر المستطاع للدرجة التي لا تستطيع حفظه عندها، ولكن لا تنسى أن تدونه في مكانٍ سري.
5 اقرأ سياسة الخصوصية قبل استخدام أي خدمة
دعونا نكون صرحاء، من منا يقرأ سياسات الخصوصية؟ نعم ذلك الكلام الكثير الذي قد يصل إلى عدة صفحات والتي تُجبر الشركات على كتابته لكي تخلي نفسها من المسائلات القانونية. لا أحد يقرأه، أليس كذلك؟ هل تعلم أن الشركات تكون في غاية السعادة عندما يتجاهل المستخدمون هذه السياسات لأنهم يحصلون على بيانات تقدر بملايين، إن لم تكن مليارات الدولارات؟
بعض الشركات تذكر ضمن سياساتها للخصوصية أن المعلومات التي تستخدمها أو تشاركها مع أدواتهم تُحفَظ داخل قواعد البيانات الخاصة بهم، ورغم ذلك تشاركهم معلومات شخصية وبيانات حساسة لا يُفترض لأحد أن يعرفها سواك. نعلم جيدًا أن سياسات الخصوصية هذه تكون مملة للغاية، ولكن حاول يا صديقي ألا تُهملها، خاصًة لو كان الموقع أو الخدمة تتطلب منك مشاركة أنواع حساسة من البيانات، فبتجاهلك لها أنت توافق على كل شيء تقريبًا دون علم، وهذا ما قد تندم عليه لاحقًا.
في النهاية، قدر بياناتك واعلم أن هذا العصر هو عصر البيانات والمعلومات ودعك ممن يقولون إن بياناتهم ليست ذات أهمية، فلو كانت البيانات مجردة من القيمة فعلًا، لما كان دونالد ترامب فاز بالانتخابات الأمريكية كما عرفنا من فضيحة كامبريدج أناليتيكا الشهيرة.