هل تتنصّت هواتفنا الذكيّة على محادثاتنا ؟

هل تتنصّت هواتفنا الذكيّة على أحاديثنا ومُكالماتنا وهل يُمكنها حقًّا أن تقرأ أفكارنا؟ إذا كُنت ممّن تؤرّقهم تلك التساؤلات فستجد ضالّتك في هذا المقال.
إنّ عالم التكنولوجيا اليوم مليء بالأشياء المُثيرة للدهشة وللقلق أحيانًا، إنّك تتحدّث في الهاتف مع أحد أفراد عائلتك فتخبره بأنّك راغب في شراء سلعة مُعيّنة، أو تجلس مع صديق لتحكي له عن مُنتج أنت بحاجة إليه، وتعود لتتصفّح مواقع الإنترنت على هاتفك بعد ذلك لتُفاجأ بإعلان يعرض ذات المُنتج الذي حكيت لصديقك عنه، أو نفس السلعة التي أخبرت أحدهم برغبتك في شرائها.


لقد بات السيناريو السابق شائع بين مُستخدمي الهواتف اليوم بعدما مرّ مُعظم المُستخدمين حول العالم بمواقف مُشابهة، ممّا دفع الكثير منهم للاعتقاد بأنّ هواتفهم مُراقبة أو تتجسّس على مُكالماتهم الهاتفيّة، وحتّى على أحاديثهم العاديّة في حياتهم اليوميّة، بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك مُعتقدين أن هواتفهم تتضمّن تقنية مُعيّنة لقراءة الأفكار ومن ثمّ يُمكنها أن تتجسّس على خواطرهم، حيث يحكون عن حالات شاهدوا فيها إعلانات عن بعض المُنتجات بمُجرّد أن فكروا في هذه المُنتجات ودون أن يتحدّثوا عنها أو يبحثوا عنها على مُحرّكات البحث مُطلقًا؟ فهل هذا حقيقيّ؟ هل تتجسّس هواتفنا الذكيّة اليوم على أحاديثنا ومُكالماتنا الهاتفيّة وهل يُمكنها حقًّا أن تقرأ أفكارنا؟ إذا كُنت ممّن تؤرّقهم مثل تلك التساؤلات فلسوف تجد ضالّتك في السطور التالية.

  هل تقوم هواتفنا الذكيّة بالتنصّت علينا وتسجيل مُكالماتنا؟



حتّى الآن فالإجابة المعروفة لدينا لهذا السؤال هي لا. لا تتنصّت هواتفنا الذكيّة على مُحادثاتنا ومكالماتنا ولا تُسجّلها. لا شكّ أنّ الإعلانات الترويجيّة تُعدّ مصدرًا رئيسيًّا لأرباح العديد من التطبيقات والبرامج التي يستخدمها الأفراد بشكلٍ يوميّ على هواتفهم الذكيّة، وبالتالي فالدافع القويّ لكي تتجسّس تلك التطبيقات والبرامج على مُستخدميها وتنتهك خصوصيّتهم لخدمة مصالح المُعلنين موجود بالفعل، غير أنّ الكيفيّة التي تحدُث بها عمليّة التجسّس تلك تختلف كثيرًا عن الصورة النمطيّة التي قد ترد في أذهان البعض.

باستثناء تطبيقات المُساعد الصوتيّ مثل سيري وأليكسا ومُساعد جوجل، لا تلجأ مُعظم التطبيقات الأخرى إلى تسجيل المُحادثات الصوتيّة والمُكالمات الهاتفيّة ثُم إرسالها عبر الخوادم إلى جهات خاصّة تعمل على تحليلها ومن ثمّ تُرسل الإعلانات المُخصّصة لكي نراها على هواتفنا الذكيّة. إنّ هذه الطريقة على الرغم من إمكانيّة حدوثها وسهولة تنفيذها تُعدّ طريقة ضارّة وقليلة الجدوى الاقتصاديّة للأسباب الآتية:

  • ستؤدّي لمزيد من الضغط على موارد الهاتف نتيجة لوجود الكثير من التطبيقات التي تعمل في الخلفيّة لكي تُرسل وتتلقّى البيانات في نفس اللحظة ممّا سيتسبّب في استنزاف بطّاريّة الهاتف بصورة أسرع وزيادة مُعدّلات استخدام البيانات، وهو أمر غير مرغوب فيه بالطبع فالهدف الرئيسيّ هو أن يظلّ المُستخدم مُشغّلًا التطبيق لأطول فترة ممكنة ويُطالع المزيد من الإعلانات.
  • سيكون الضغط على الخوادم ذاتها هائلًا إذا كان المطلوب هو نقل تسجيلات صوتيّة عالية الجودة، والتي تكون ذات حجم عملاق، من آلاف الهواتف في نفس الوقت على مدار اليوم بالإضافة إلى تخزين كلّ هذا الكمّ من التسجيلات ومُعالجتها.
  • حتّى وإن تمكّنت تلك التطبيقات من تسجيل ونقل وتخزين ومُعالجة كُل ذلك الكمّ الهائل من مُكالمات المُستخدمين ومُحادثاتهم الواقعيّة على مدار اليوم فإنّ قدر ضئيل جدًّا فقط من مُحتوى تلك التسجيلات قد يكون ذو فائدة بالنسبة للمُعلنين بينما سيكون مُعظمها عديم الأهمّية.
  • تكون المعلومات المُستخلصة من تسجيلات المُكالمات والمُحادثات الواقعيّة في النهاية مُضلّلة وغير دقيقة ولا تُعبّر بصدق عن اهتمامات الأفراد الحقيقيّة، ففي كثير من الأحيان يتظاهر الأشخاص بالاهتمام بمنتج مُعيّن أو بهواية معيّنة من باب المُجاملة لأصدقائهم لتفادي إحراجهم.

—– إذن كيف تصل تلك الإعلانات المُخصّصة إلى هواتفنا؟

  كيف تستهدف الإعلانات المُخصّصة جمهورها؟



تقوم مُعظم التطبيقات المعروفة مثل جوجل وفيسبوك وإنستجرام في الحقيقة بخدمة أغراض المُعلنين وإرسال الإعلانات المُخصّصة للمُستخدمين من خلال تخمينات منطقيّة دقيقة تُجريها استنادًا إلى قائمة من المعلومات التي تجمعها حول كُلّ مُستخدم عن طريق ملفّات تعريف الارتباط التي تُثبّت على الهاتف عند تثبيت التطبيق، مثل معلومات موقعه الجغرافيّ، ونوعه، وعمره، واهتماماته، وروتينه اليوميّ، وسجلّ مُحرّك البحث، وسجلّ تصفّح الإنترنت، وعاداته الشرائيّة، يُمكن من خلال هذا كُلّه استنباط نوعيّة الخدمات أو المُنتجات التي قد يرغب المُستخدم في الحصول عليها.

كما تُستخدم كذلك خوارزميّات التعلّم الآلي التي تُلاحظ كيفيّة تفاعُل المُستخدم مع الإعلانات بعد ظهورها ممّا يُساعد في تحسين ظهور الإعلانات اللاحقة، وعرض المزيد من إعلانات المُنتجات ذات الصلة، وبالتالي لا تكون أيّ شركة أو سوق إلكتروني مثل أمازون بحاجة إلى إضاعة الوقت والجهد في التنصّت على المُستخدمين لاستنتاج مُنتجاتهم المفضّلة، وهو ما قد يُفسّر للبعض ظهور إعلانات لأحد المُنتجات التي فكروا فيها فقط دون أن يتكلّموا عنها مع الآخرين.

إنّ الأداة المُستخدمة هنا لاستهداف مُتلقّي الإعلان ليست ميكروفون الهاتف ولكن المعلومات المُستخلصة من سجلّات جلساته ونشاطه على شبكة الإنترنت، ففي بعض الأحيان يكون أحد برامج عرض الإعلانات مثل جوجل قد استنتج اهتمامك بمُنتج مُحدّد قبل أن تتكلّم عنه مع أصدقاءك بوقت طويل لتُفاجأ بعد ذلك بأنّه يُظهر لك إعلان المُنتج فتعتقد خطأ أنّ الحديث مع الأصدقاء هو ما تسبّب غي ظهور الإعلان، بل من المُحتمل أيضًا أنّ يكون الإعلان قد ظهر لك من قبل ذلك ولكن لم تنتبه لوجوده إلّا بعد الحديث مع الأصدقاء.


  كيفيّة تعطيل تلقّي الإعلانات المُخصّصة



الآن بعدما عرفت كيف تجد الإعلانات المُخصّصة طريقها إلى هاتفك، وأنّه لا دور لميكروفون الهاتف في هذه العمليّة، فقد بات من الواضح إنّ حظر وصول التطبيقات إلى ميكروفون الهاتف لن يمنع ظهور الإعلانات المُخصّصة على شاشة الهاتف، إذن ما الحلّ؟ وهل من طريقة لتعطيلها إذا أردنا ألّا نتلقّى تلك النوعيّة المُثيرة للقلق من الإعلانات مُجدّدًا؟ في الحقيقة من العسير حتّى الآن منع الجهات المُعلنة بصورة تامّة من الوصول إلى كافّة البيانات التي تمكّنها من استهدافك بإعلاناتها، ويُمكن فقط تقليل البيانات التي تُشاركها تطبيقات الهاتف مع المُعلنين لخدمة أغراضهم الترويجيّة من خلال مجموعة من الإجراءات كما يلي:

  • استبدال تطبيقات الهاتف الحاليّة بتطبيقات أخرى توفّر درجة أعلى من الخصوصيّة لمُستخدميها مثل تطبيق سيجنال "Signal" للدردشة ومحرك البحث "DuckDuckGo".
  • تصفّح شبكة الإنترنت باستخدام خدمة VPN لحماية خصوصيّة بعض البيانات مثل بيانات الموقع الجغرافيّ وسجلّ النشاط وسجلّ مُحرّكات البحث وغيرها.
  • تفعيل وضع التصفّح الخاص في مُستعرض الإنترنت.

على الرغم من عدم وجود مخاطر تُذكر للإعلانات المُخصّصة، فيما عدا إغراء المُستخدمين ودفعهم إلى إنفاق المال لشراء مزيد من المُنتجات التي قد لا يكونوا في حاجة فعليّة إليها بالفعل، فإنّ ظهور الإعلانات المُخصّصة قد يُثير قلق بعض المُستخدمين بشأن هذا القدر من انتهاك خصوصيّة بياناتهم ومعلوماتهم الشخصيّة، ومع ذلك فلا داعي للقلق بشأن التنصّت على المُكالمات أو المُحادثات اليوميّة أو تسجيلها، فحتّى الآن لا تفعل ذلك سوى برامج التجسّس، والتي يُمكن تفاديها عن طريق تثبيت برامج مُكافحة قويّة للبرمجيّات الخبيثة، وتوخّي الحرص أثناء تصفّح شبكة الإنترنت أو استخدام الأجهزة المُختلفة.

——————

المُلخّص | لا تقوم التطبيقات بالتنصّت على مُكالمات المُستخدمين ومُحادثاتهم الواقعيّة في حياتهم أو تسجيلها كما يعتقد البعض نظرًا لانخفاض جدوى هذه الطريقة وقلّة فاعليّتها في استخلاص معلومات مفيدة ودقيقة حول اهتمامات الأفراد وعاداتهم الشرائية، ولكنّها تتّبع استراتيجيّة أخرى في سبيل استهداف المُستخدمين بإعلانات مُخصّصة لهم ممّا يخدم مصالح المُعلنين.

تقوم تلك التطبيقات والبرامج والمنصّات الرقميّة بعمل ملفّات تعريف للمُستخدمين يتمّ فيها جمع الكثير من المعلومات حول المُستخدم مثل موقعه الجغرافيّ، ونوعه، وعمره، واهتماماته، وعاداته الشرائيّة وسجلّ نشاطه وعمليّات البحث التي أجراها وغيرها من المعلومات ومن ثمّ تحليلها لعمل تخمينات دقيقة نوعيّة المُنتجات أو الخدمات التي قد يكون راغبًا في الحصول عليها، وتُستخدم كذلك خوارزميّات التعلّم الآلي لتحليل تفاعل المُستخدم مع الإعلانات ممّا يُساهم في تحسين ظهور الإعلانات اللاحقة.

على الرغم من عدم وجود مخاطر تُذكر للإعلانات المُخصّصة، فيما عدا إغراء المُستخدمين ودفعهم إلى إنفاق المال لشراء مزيد من المُنتجات التي قد لا يكونوا في حاجة إليها بالفعل، فإنّ ظهور الإعلانات المُخصّصة قد يُثير قلق بعض المُستخدمين بشأن هذا القدر من انتهاك خصوصيّة بياناتهم ومعلوماتهم الشخصيّة، ومن ثمّ يرغبون في تعطيل عرض مثل هذه الإعلانات.

ولسوء الحظّ ليس هُناك طريقة لإيقاف ظهور هذه الإعلانات بشكلٍ كامل ولكن يُمكن تقليل مُشاركة التطبيقات لبيانات المُستخدم الشخصيّة مع المُعلنين عن طريق تطبيق بعض الإجراءات لإضفاء مزيد من الخصوصيّة للبيانات مثل استخدام تطبيقات بديلة توفّر درجة أفضل من الخصوصيّة لمُستخدميها، وتصفّح الإنترنت من خلال الـ VPN، وتفعيل وضع التصفّح الخاصّ في مُستعرض الإنترنت المُستخدم على الهاتف.
يارا فاروق
يارا فاروق
مهندسة كهرباء وكاتبة محتوى تقني بخبرة تزيد عن 6 سنوات، مهتمة بمجال التقنية، حصلت على خمسة جوائز من مؤسسة ويكيميديا في مسابقات كتابة المحتوى.
تعليقات

احدث المقالات