في عصر طال فيه التفاخر كل المجالات، صار من الطبيعي أن نرى البشر يتسابقون على الحصول على أي شيء وكل شيء، ليس لأي سبب سوى التفرد والتفاخر فقط؛ أو على الأقل هكذا تفكر الغالبية العظمى من الناس. يظهر هذا الأمر بشدة في صناعة الهواتف، وبالتحديد عند عشاق أبل؛ فعندما يصدر هاتفٌ جديدًا للشركة، ترى سلاسل بشرية أمام الفروع الرئيسية من أجل الحصول عليه في يوم إطلاقه الأول.
بالطبع الأمر ليس مقتصرًا على هذه الصناعة، بل امتد ليطال كل شيء يمكننا أن نتنافس فيه نحن البشر تقريبًا. في عالم ألعاب الفيديو مثلًا، حدوث نفس الشيء من أجل الحصول على الألعاب في يوم إطلاقها الأول، وهذا ليس بشيء سيئ بالضرورة خصوصًا في عصر التحول الرقمي، ولكنه ليس شيئًا جيدًا أيضًا؛ في الواقع أضراره أكثر من منافعه، فإذا شعرت بالإثارة عند إطلاق لعبة كنت تراقبها منذُ فترة وتريد تجربتها بأسرع وقت، فعليك أن تتريث جيدًا وتسيطر على حماستك لعدة أسباب منطقية نوضحها فيما يلي.
نعرف أن حب اللاعبين وتعلقهم بهذا المجال يدفعهم لشراء الألعاب الحماسية فور وصولها للمتاجر الإلكترونية. ولكن ما خفي أعظم؛ فمشاعر تلك اللاعبين ليس من السهولة أن تصل إلى أعماقها، وتحاول أن تجعلهم يحكمون عقولهم بدلًا من قلوبهم. السبب الثاني وهو الخوف أو عندما يدخل "الجيمر" مرحلة الهوس بامتلاك كل ما هو جديد قبل الجميع وتُسمى عادًة بظاهرة FOMO اختصارًا لكلمات Fear Of Missing Out أي رُهاب تفويت ما هو جديد. وهو سبب نفسي يمثل هاجسًا بالنسبة للاعبين ويدفعهم للحصول على اللعبة الآن وبأي ثمن ممكن. بوضع هذه النقاط في الاعتبار سنحاول ان نقدم الأسباب المنطقية التي تقنعك بألا تفكر في شراء الألعاب في يوم الاطلاق الأول.
جشع الشركات والرغبة في الكسب السريع
تُسمى صناعة الألعاب؛ أي أنها تخضع لما تخضع له غيرها من الصناعات والمشاريع. الغالبية الكاسحة من الشركات الناشرة والاستديوهات المطورة للألعاب لا تعمل من أجل متعتك، ولكن من أجل الأموال في المقام الأول والأخير وهذا قد يجعلها تتسرع وتصدر الألعاب مبكرًا من أجل الكسب الفوري، وهذا بالتبعية قد يجعل اللعبة تظهر في أسوأ شكل ممكن لها في يوم إصدارها الأول.
ولكي تفهم ما أتحدث عنه، ألق نظرة على تعليقات الجماهير على نسخة الحاسب الشخصي من لعبة Batman: Arkham Knight، والتي صدرت بجملة من المشاكل الفنية في أول إطلاق لها في يونيو 2015. او أقرب مثال توضحيِّ لنا تجلى في لعبة Cyberpunk 2077، وهي خير مثال على ما نتحدث عنه؛ فبعد تسويق لم نر له مثيلًا من قبل، تصورنا أننا مقبلون على تجربة ستغير مجرى تاريخ الألعاب إلى الأبد. وها هي اللعبة قد صدرت، وها هو الجمهور يتكالب عليها وها هي Cyberpunk 2077 تخسف بتوقعاتهم الأرض!
الشاهد أن الشركات قد تتسرع في إصدار الألعاب، وتتغاضى عن الإتقان التقني من أجل الكسب السريع، ومع الوقت تعترف بأخطائها وذلك عن طريق إصدار باتشات أو إصلاحات للعبة، وقتها يمكنك أن تفكر في شرائها. لكن أن تقوم بشراء لعبة في يوم إصدارها الأول دون حتى أن ترى أي مراجعات أو تعليقات عليها، في هذا الوقت تحديدًا، هي بالتأكيد فكرة سيئة.
اقرأ أيضًا: ماهو الـ "DLC"؟ وما هي أهميته في عالم الألعاب؟
عصر الطلب المُسبق للألعاب انتهى وقته!
كما قلنا في المقدمة، فنحن نعيش في زمن تفشت فيه "الرقمنة" والآن أصبحت الأقراص المدمجة أو الاسطوانات الخاصة بالألعاب "موضة عفا عليها الزمن". نعم، الأقراص المدمجة لها جمهورها، وأنا منهم بالمناسبة؛ فأقراص الألعاب المدمجة لها مميزات قد نذكرها في مقال منفصل.
ولكن في نفس الوقت وجود النسخ الديجيتال وبكميات هائلة يغنينا عن التسرع وشراء اللعبة في يومها الأول خوفًا من نفاد الكمية المتاحة في المتاجر للاسطوانات، والتي لم يكن أحدًا يعرف عدد النسخة التي ستبيعها وبالتالي كانت هناك فرصة حقيقية أنك لن تتمكن من العثور على نسخة من اللعبة بسبب عدد الطلبات الكثيرة.
أنت لست مضطرًا إلى الانتظار في طوابير طويلة أو الذهاب لمحلات شرائط الألعاب من أجل الحصول على لعبتك، النسخ الديجيتال على Steam وغيرها من المتاجر الإلكترونية أصبحت متوفرة في كل مكان وبأعداد لا نهائية، فلا تقلق، اللعبة دائمًا موجودة.
ادفع أكثر لتحصل على اللعبة كاملةً
هكذا صدمتك شركة بيثيسدا بردها بعد شوقك المشتعل للعبة Fallout 76، وهكذا صعقتك شركة EA بردها بعد انتظارك الطويل للعبة Star Wars Battlefront، وهكذا الكثير من الشركات والاستديوهات.
تخيل أن تحصل على اللعبة التي لا طالما انتظرتها وبعد بضع ساعات، تجد أسلوب لعب ممل ومهام مكررة ثم تخرج للقائمة الرئيسية وتبحث عن المزيد من المحتوى لتفاجئ بأنك تحتاج إلى دفع المزيد من الأموال. بعدما أنفقت حوالي 60 - 70 دولارًا على اللعبة، لأنها لعبة AAA (بميزانية مرتفعة)، يجب عليك أن تدفع حوالي 10 دولارات فأكثر مرة أخرى!
عندما تجد الشركات ردة فعل عنيفة من اللاعبين على سياسة الاستغلال تلك، لا تلبث أن تَعدل فورًا عن جشعها، وهذا ما رأيناه يحدث مؤخرًا مع لعبة Gran Turismo 7. ولذلك، فلا تتسرع في شراء لعبتك وراقبها من بعيد أولًا إذا كنت لا ترغب في خسارة أموالك.
ارتفاع الأسعار وتسرع اللاعبين
بعد الارتفاع الكبير الذي أصاب أسعار ألعاب الفيديو، أصبح من السهل على اللاعبين – نوعًا ما – أن يتخلوا عن شرائها أو يتجهون إلى تجربتها بطرق أخرى شرعية أو غير شرعية. ولذلك كثيرًا ما تجد الشركات نفسها في موقف يجبرها على تخفيض السعر بعد أسابيع أو أشهر قليلة من الإطلاق، ناهيك أن نفس الشركات تغتر بألعابها أحيانًا مثلما حدث العام الماضي مع Battlefield 2042 مما جعل اللاعبين ينفرون منها، ويجعلون الشركة تبدو وكأنما تتوسل لهم من أجل شراء اللعبة.
عادةً ما يشتري الجيمرز اللعبة بسرعة من أجل الاستمتاع بها قبل أكبر عدد من اللاعبين أو من أجل الحماس الزائد عن حده لديهم، وعدد اللاعبين الذين يشترون الألعاب في اليوم الأول ليس بقليل على الإطلاق، وهذا ما أستغرب منه شخصيًا، فلا يوجد مبرر للتسرع إلا إذا كنت "ستريمر" أو "يوتيوبر" يريد أن يميز متابعيه عن غيرهم. بخلاف ذلك، تريث حتى تبدأ المبيعات في التباطؤ وتقوم الشركة بتخفيض سعر اللعبة للحصول على المزيد من المبيعات.
حماسك الزائد قد يودي بك!
بالنسبة للاعبين المولعين والمدمنين لألعاب الفيديو «Hardcore Gamers»، وهذه الفئة يكاد يكون من المستحيل إقناعها بموضوع اليوم، فارتقابهم لبعض الألعاب يكون مسألة حياة أو موت وبمجرد حصولهم على اللعبة يكونون أمام خيارين: النشوة الغامرة أو المعيشة الضنكة! أحيانًا يتم الإعلان والترويج لألعاب الفيديو بطريقة تجعلك لا تطيق الانتظار وتهرول مسرعًا لشرائها منذ اليوم الأول، وهذا هدف التسويق.
مشكلة هذا الأمر أنه يرفع مستوى آمالك وطموحاتك عن اللعبة، ولكن بمجرد تجربتها تفقد الأمل، ليس فيها وحسب، وإنما في الحياة، وهذا ما حدث مع لاعبين كُثُر عندما خذلتهم عناوين من سلاسل كبيرة مثل Assassin’s Creed، ومعظم سلاسل شركة يوبي سوفت تقريبًا، وأولهم Far Cry.
في النهاية، تقود العاطفة الكثير من اللاعبين وتجعلهم يتلهفون للحصول على الألعاب أسرع من أي منتج ترفيهي آخر في الحياة، ومن تعود على هذا الفعل ليس من الصعب عليه أن يتركه، ولكن لحسن الحظ أن كل شيء يأتي بالتدريج. إذا كنت من فئة اللاعبين تلك، فأنصحك بمعاودة قراءة المقالة أكثر من مرة.