نظرة على أبرز المخاوف المرتبطة بعالم الميتافيرس الإفتراضي!

انفصام في الشخصية والعزلة وعدم الرضا.. هل المخاوف المرتبطة بعالم ميتافيرس مبالغ فيها ام حقيقية ؟ دعونا نناقش الأمر بجدية انطلاقًا من سطور هذا المقال.
لا أعلم إن كنت قد قمت بتجربة نظارات العالم الافتراضي أو لا ولكن أعلم أنها كانت تجربة ممتعة في بعض الأحيان والحديث هنا عن عالم الألعاب؛ إذ ترى الأضواء والموسيقى والألوان بكل مكان وستستمتع بخداع عقلك وجسمك لأول مرة، خصوصاً عندما ترسل عيناك للدماغ إشاراتٍ بأنها على قمةِ جبلٍ مثلاً! مما سيدفع الدماغ للضغط على زر النفير العام في كل أنحاء بدنك .. كيف لا وهو يتلقى إشارات بأنه على بعد خطوةٍ أو اثنتين من الهاوية، بينما أنت في الحقيقة مازلت على الأريكة تلعب الإصدار الخاص بالـ VR للعبة Bat Man وبمجرد نزع النظارة، ستضحك ممازحاً دماغك: "لا ترتعب كانت مجرد كذبة نيسان".

كما ترى الأمر ممتع أحياناً بالنسبة للألعاب، ولكن هل يا ترى ينطبق الأمر في عالم الميتافيرس .. الكوكب الافتراضي الجديد الذي سيسكنه أغلبنا في الأعوام القادمة ؟ للأسف ربما لا.


حقيقةً، بالإضافةِ للمتعة هناك عدة مشاكل تصاحب تجربة نظارات الواقع الافتراضي عموماً، وقد تحول المتعة لكابوسٍ حقيقي خصوصاً التأثيرات الجانبية المعروفة في عالم العاب VR مثل دوار الحركة وآلام الرأس والعيون، أضافة للغثيان والتي يحاول مطورو النظارات الافتراضية التقليل منها قدر الإمكان في الإصدارات الجديدة. إلا أن حديثنا ليس بهذا الصدد أبداً، وإنما بالمخاوف الرقمية والنفسية التي ولدت قبل أن يولد كوكب ميتافيرس حتى، ولكن قبل الحديث عن المخاوف ما رأيك بأن أعطيك لمحة سريعة عن عالم ميتافيرس ؟

ما هو اصلًا عالم الميتافيرس ؟!


يظن الكثير أن "البناؤون" هم من بنوا عالمنا الحقيقي، والعلماء فقط هم من طوروه، إلا أن الحقيقة تختلف بعض الشيء، فهناك زمرةً من المؤثرين حقاً حملت على عاتقها رسم ملامح العالم الجديد، منهم كّتاب روايات الخيال العلمي والذي كتب أحدهم روايةً "تحطم الثلج" عن عالمٍ افتراضي موازي يطلق عليه ميتافيرس، يعيش الناس فيه بشكلٍ خيالي معتمدين على تفاعل الأفاتار الخاص بهم.

طبعاً استولت الرواية على اهتمام الكثير من الناس ومنهم زوكربيرج (مؤسس فيسبوك) والذي حول اسم شركته إلى ميتا تمهيداً لاحتلال كوكب ميتافيرس والذي لا يطلب منك حالياً الا نظارات العالم الافتراضي حتى تكون من سكانه. أستطيع القول أن ميتافيرس هو المستقبل القريب للأنترنت، منصات التواصل الاجتماعي، أو الحياة بشكلٍ عام، هذا عن ميتافيرس بشكلٍ سريع ولكن..

ما هي المخاوف الرئيسية المتعلقة به ؟


الدمج العشوائي لمجتمعات العالم المختلفة في مجتمعٍ واحد



ولو أن منصات التواصل الاجتماعي غيرت وجه العالم بشكلٍ ملحوظ وأصبحت المؤثر الأكبر على مزاج الناس وطرق حياتهم، كما أنها فتحت سوقاً جديداً للعمل، وأنشأت أصحاب اموال من العدم، وأيضًا سهلت التعلم وفتحت آفقاً جديدة للبشر. إلا أنها أيضاً ساهمت بالعديد من الحروب وتغيير الطابع الاجتماعي وحتى الفردي، والحديث هنا عن عوالم التواصل الاجتماعي الكلاسيكية، لك أن تتخيل كيف سيحل الأمر في حالة الواقع الافتراضي المعزز ؟

للأسف مصطلح "معزز" يعني تعزير تجربتك الافتراضية على حساب حياتك الواقعية، وفي حال أنك تستطيع دخول أغلب منصات التواصل باسمٍ مزور وصورة عشوائية، إلا أنك لن تستطيع ذلك في ميتافيرس، حيث سيطلب منك اثباتات عدة منها اسمك الحقيقي وبياناتك المصرفية، مما يعني عدم قدرتك على التنكر وهذا ربما قد يضيق الخناق عليك.

ولكن المشكلة الأكبر تكمن في بياناتك الحقيقية وجمعها وتسريبها، بل حتى سرقة هويتك الافتراضية واستخدامها بشكلٍ غير مشروع. ببساطة أنت مجرد صورة شخصية واسمٍ ربما مزيف في فيسبوك وتويتر، أما في ميتافيرس يختلف الأمر، فأنت تمشي، تتكلم، تفعل أي شيء باسمك الحقيقي وحتى بياناتك المصرفية، ناهيك عن أنك أصبحت بمجتمعٍ جديد لا يعرف ولا يعترف بعادات وقوانين مجتمعك وإنما قوانينه حصراً والتي من البديهي أن تتنافى مع عادات وقوانين مجتمعات العالم، ليس مجتمعك العربي وحسب لأنه مجتمع افتراضي ببساطة لا يهتم بك كمواطن وإنما كرقم مساهم في اعداد الإعجابات والمشاركة، ولا ننسى نقودك والتي للأسف تعتبر الأهم.


المضايقات، تغير الأخلاقيات العامة والتحرش


نعلم بأننا نشهد تطور العالم بشكلٍ سريع، إلا أنه وللأسف مصطلح التطور لا يشمل كل جوانب الحياة خصوصاً الأخلاقي منه، بل على العكس يتراجع والسبب في ذلك إهمال تطوير الناحية المعنوية والسعي وراء التطور المادي، صحيحٌ أنه توجد ضوابط أخلاقية عامة لمواقع التواصل إلا أن الضوابط تلك ليست كافية وتسيس في الكثير من الأحيان؛ والأهم من كل ذلك أن من يسنها هو القسم القانوني للشركات والتي كما نعلم هدفها الرئيسي هو الربح وبسط النفوذ.

لذلك قد تتغاضى هذه الشركات عن بعض الانتهاكات وتسلط الضوء على بعضها الآخر مثل التحرش والذي سيصبح أكثر واقعية بما أن المستخدم صاحب "الأفاتار" أو الصورة الرمزية هو شخصٌ حقيقي مما يعني دافعٌ مغري للتحرش! ناهيك عن أن تفاعل المستخدم انتقل من مجرد الكتابة والتعليق والمشاركة الافتراضية إلى مستوى آخر ثلاثي الأبعاد يستطيع فيه المستخدمون رؤية بعضهم البعض، الحديث، والمشي معاً، حتى الرقص واللعب، مما سيجعل أمر التحرش أكثر إغراء وواقعية.


صحيحٌ أن بعض الشركات قدمت ضوابط صارمة بهذا الشأن، منها الحدود الشخصية والتي تمنع اقتراب بقية الشخصيات منك – إذا أردت طبعاً – بدائرة قطرها حوالي 120 سم كما حال شركة ميتا مع تطبيق "Horizon Worlds"، إلا أن هذا ربما لن يمنع بعض المستخدمين من ابتكار طرقٍ متطرفة للتعرضِ أو التحرش كما هو الحال مع شبكات التواصل الاجتماعي الآن.

إعلانات ثلاثية الأبعاد وأكثر



تعتبر الإعلانات سيف ذو حدين بالنسبة للمواقع الاجتماعية والمستخدمين بشكلٍ عام، فهي احدى الوسائل التي تعطي الشركات القدرة على الاستمرار وكذلك الأمر بالنسبة للمعلنين ولكنها أيضاً قد تجبر المستخدم على التخلي عن الموقع برمتهِ في حالة كثرة الإعلانات. نعم، الإعلانات التي سيتغير شكلها ومضمونها أيضاً في عالم ميتافيرس والتي من الممكن جداً أن تفرز لها مساحة أكبر بما أنها العصب الحيوي لبقاء هذا العالم الافتراضي، ناهيك عن الوظائف الجديدة التي سنسمع بها والتي لا نعرف إلى أي حدٍ قد تصل، حارس "أفاتار" شخصي مثلاً، أو سائق، ومن يعلم ربما خادم وقاتل أفاتارٍ مأجور.

مخاوف ميتافيرس: هل واقعية أم مبالغ فيها ؟


يأخذ الكثير منا تأثير المواقع الاجتماعية على محمل التسلية لا أكثر، وقد يعتبر ما سبق هراء اجتماعي وقلق غير مبرر، إلا أن الأمر مختلف تماماً والحديث هنا عن قوة مواقع التواصل الاجتماعي والتي تقدر قيمتها السوقية بعشرات مليارات الدولارات، لا يقف الأمر عند هذا الحد، ففي الوقت الذي يتصدر فيه إيلون ماسك وتويتر ترند مواقع التواصل الاجتماعي ويتفاعل معه الكثيرون من باب التسلية لا أقل ولا أكثر، نجد فئة من نخبة الناس تتعامل مع الموضوع بجدية، مثل دعوة النواب البريطانيين لإيلون ماسك من أجل مناقشة خططه المستقبلية لتويتر.

ناهيك عن أن تلك المواقع أثرت فعليًا بتفاصيل حياتنا وعاداتنا خصوصاً بعد فرض التباعد الاجتماعي على أرض الواقع بسبب كورونا والذي كان من شأنه تثبيت مكانة العالم الافتراضي، مما يعني أن المخاوف حقيقية خصوصاً مع تزايد الجرائم الالكترونية والتي تتعدى 2200 جريمة يومياً وهذا قبل دخول كوكب ميتافيرس بشكلٍ فعلي، المشكلة الأكبر تكمن في أننا لن نستطيع مجابهة هذا المد التقني والأسوأ أننا لن نستطيع إلا الانخراط فيه لأنه ببساطة مستقبل العالم.


ختامًا: ربما ستحمل تجربة ميتافيرس القادمة متعة جديدة ونقلة لمستوى أعلى في عالم الترفيه الافتراضي، إلا أنها لن تكون مجانية بل على حساب خصوصية المستخدم وحياته بشكلٍ عام، حتى أنه من المحتمل جداً أن يصبح بشخصيتين مختلفتين افتراضية و واقعية، لا يعني هذا الحديث رفض الفكرة وإنما دعوة للتعقل قبل خوض غمار تلك التجربة.

قرأت مرة أن واحدة من بلاد أمريكا اللاتينية رفعت الحظر عن الكتب بشكلٍ عام لأن ثمنها العالي كفيلٌ بحظرهِ وسبب رئيسي لعدم شرائهِ، وربما يكون غلاء سعر النظارة الافتراضية الخاصة بميتافيرس والإكسسوارات المرافقة، سبباً مقنعاً لعدم خوض غمار هذه التجربة وتجنب مخاطرها في الوقت الحالي على أقل تقدير، ريثما تتكشف هوية هذا العالم.
علاء الدين مهايني
علاء الدين مهايني
كاتب روائي دمشقي، حائز على دبلوم تقاني حاسوب، لدي اهتمامات بالتكنولوجيا الرقمية ومجالاتها المتشعبة.
تعليقات

احدث المقالات