كيف تجني موسوعة ويكيبيديا أرباحها إذا كانت لا تعرض إعلانات ؟

كيف تربح موسوعة ويكيبيديا إذا كانت لا تعرض إعلانات أو تطلب اشتراك ثانوي ؟ دعونا نوضح الإجابة مُفصلة في هذا الموضوع.
بالنسبة للملايين حول العالم، تعد موسوعة ويكيبيديا هي المصدر الأول والأخير الزاخر بالمعلومات. لأكثر من عشرين عاماً والموسوعة مستمرة في العطاء دون أي مشاكل فنية تُذكر. ولعل ما يميز هذه الموسوعة عن غيرها من المواقع هي مجانيتها التامة؛ لم يسبق لها وأن أزعجتنا بإعلان هنا أو هناك. أعتقد أن مؤسسوا ويكيبيديا لو أرادوا لها أن تحقق أعلى الأرباح بين قرائنها لما مثَّل هذا الأمر تحديًا بالنسبة إليهم، ولكنهم اختاروا نشر المعرفة بشكل مجاني وفضلوا مصلحة المستخدم.

المشكلة أن استمرار موسوعة بضخامة ويكيبيديا تحتاج إلى أموالٍ ليست بقليلة سواء لاستضافة الموقع أو لتحفيز المؤلفين والناشرين، فكما قلنا الموقع موجود منذ ما يزيد عن الـ 20 سنة، وبالتأكيد لن يظل المؤسسون يمولون المشروع ذاتيًا كل هذه المدة لأجل معرفة المستخدمين فحسب، ولأن الموقع ليس به إعلانات، فهذا أثار حيرة المستخدمين وطرح تساؤل اليوم: كيف تحقق ويكيبيديا أرباحًا ؟


تأسيس ويكيبيديا.. المعرفة للجميع!


في الوقت التي كانت فيه مكتبة الإسكندرية تُتخذ قبلة للعلم والمعرفة في مصر والشرق الأوسط، كانت تُطبخ موسوعة عملاقة أخرى على نار هادئة في الجزء الغربي من كوكب الأرض، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك عندما أنبتت الفكرة في عقل جيمي ويلز في أواخر التسعينيات.

في أكتوبر من العام 1999، بدأ جيمي ويلز بالتفكير في إنشاء موسوعةً شاملة لكل المعارف التي قد تخطر على بال أي إنسان، سُميت - فيما بعد - باسم نيوبيديا (Nupedia) وقامت بالكامل على جهود المتطوعين. جهَّز ويلز فريقه وعين لاري سانجر مشرفًا على المشروع وانطلقت نيوبيديا رسميًا في مارس من العام 2000.


مشكلة نيوبيديا أنها احتاجت إلى خبراء، ومدققين، ومراجعين؛ ولذلك فكان نشر مقالٍ واحد عليها ليس بالأمر السهل على الإطلاق، وهذا على عكس ما نعرفه الآن عن ويكيبيديا والتي يمكن لأي شخص أن يعدِّل، أو ينشر المقالات عليها بسهولة، ورغبةً منهم في سرعة انتشار المعرفة، أنشأ كلٌ من جيمي ويلز ولاري سانجر موسوعة ويكيبيديا لتكون موقعًا فرعيًا مساعدًا لنيوبيديا.

بمجرد انطلاقها الرسمي في يناير 2001 حازت ويكيبيديا على اهتمام الكثيرين، وازدهرت شعبيتها بسرعة كبيرة، وسرعان ما أصبحت الموقع الرئيسي للجميع الذي يتمتع بكثرة المقالات، وأي شيء ترغب بتزويد خلايا عقلك به، غالبًا ما ستجده عليها. لك أن تتخيل أنه بحلول يناير 2015، أي بعد 14 عامًا من تأسيس الموسوعة، أصبحت ويكيبيديا موطنًا لأكثر من 5 ملايين مقالة باللغة الإنجليزية، وأكثر بكثير باللغات الأخرى غير الإنجليزية مجتمعة معًا. وقتها، صنف موقع أليكسا لترتيب مواقع الأنترنت موقع ويكيبيديا كسابع أشهر موقع عالميًا، والموقع الوحيد في قائمة المواقع العشرة الأولى الذي يتميز بأنه غير ربحي.


غير ربحي! لماذا إذًا ؟


لكل شخصٍ في الحياة مبادئه الخاصة؛ ولأن الغالبية الكاسحة من الشركات اليوم تسير بنهج رأسمالي جشع؛ هدفه المال فقط، لا يعني عدم وجود أشخاص يؤمنون بمبادئ سامية ومن أجل المبادئ السامية وحسب. لا يجب أن يكون هناك هدفًا خفيًا بالضرورة، هناك من يحب أن ينفع البشرية ويُخلد اسمه. لذلك إذا بحثت عن الهدف الذي أُسست من أجله موسوعة ويكيبيديا، وكما وضحنا في الفقرات الأولى، فستجد أن الموسوعة تهدف إلى إتاحة المعرفة أينما كان وبالمجان! ولا يجب أن تكون المعرفة حكرًا على أحد.


إذا وضعت موسوعة ويكيبيديا إعلانات على موقعها، فهذا يخالف هدفها الأساسي بوضوح صارخ؛ فتخيل أنك تبحث على الموسوعة عن "العناية بالشعر" وفوجئت بإعلان عن كريم ما للشعر، هل ستصدق المعلومات الموجودة بنسبة 100%؟ قد تقول لي: إن موسوعة ويكيبيديا تحتوي على الكثير من المعلومات الخاطئة بالفعل؛ لأن أي شخص يمكنه أن يعدل فيها كيفما يشاء، فما الفارق الذي سيشكله هذا الإعلان إذًا؟ وهذا يضعنا أمام معضلة كبيرة.

إذا تبنت ويكيبيديا فكرة الإعلانات وفتحت أبوابها للمعلنين، فلن يرض المعلنون بالسياسيات التي تسير بها ويكيبيديا؛ لن ترغب شركة ما في وضع إعلانًا لأحد منتجاتها ويأتي شخص يسبُ ويطعن في هذا المنتج على نفس الصفحة.

أما عن النقطة الأخرى الواضحة للعيان، فهي أن الإعلانات من أكثر الأشياء المزعجة في الوجود. تخيل أنك منغمس في قراءة مقال ما، ويخرج لك ملصقًا ينصحك بشراء المنتج الفُلاني؛ لأنك بحاجة إلى نقصان الوزن. ماذا عن الإعلانات التي تظهر بين الفينة والأخرى وفي كل مكان على الشاشة ؟ الأمر مزعج للغاية ولا يتناسب طرديًا مع آداب القراءة على الإطلاق.

أهذا يعني أن الموسوعة لا تحقق أرباحًا ؟


باختصارٍ شديد، التبرعات يا عزيزي؛ تبرعات الأفراد، والشركات، والمؤسسات. ويكيميديا Wikimedia (الشركة الأم لويكيبيديا)، لديها من الشركاء ما يكفي لجمع تبرعات سنوية تكفي وتفيض من أجل استمرارية المشروع بل ويستطيع حتى الأفراد العاديين التبرع للموسوعة فهناك صفحة مفتوحة لجمع التبرعات في جميع الدول تقريبًا. قلنا في بداية المقدمة أن ويكيبيديا تحتاج إلى أموالٍ ليست بقليلة من أجل الاستمرار، وهذا صحيحٌ بالنسبة إلينا؛ فالمشروع يحتاج إلى حوالي 3 مليون دولار سنويًا من أجل الاستمرار.


هذا الرقم ليس بقليل بالنسبة إلينا كمستخدمين بالطبع، بل مهولٌ جدًا، ولكن بنسبة لشركة مثل جوجل، والتي تصرف 2 مليار دولار على الإعلانات سنويًا، مجرد فُتات! لحسن الحظ أن ويكيبيديا تجمع تبرعات تفيض عن احتياجاتها أضعافًا مضاعفة، فلا تقلق على استمرارية الموسوعة.

الغريب في الأمر فقط هو ما قد لُوحظ في الفترة الأخيرة؛ إذا كنت تدخل على موسوعة ويكيبيديا باستمرار، فلربما لاحظت إعلانًا في بداية كل المقالات هذه المرة. يُحسب للموسوعة أنها واحدة من الشرفاء الذين لم يغيروا من نموذجهم التجاري "Business Model" منذ بداية تأسيسها، ولكن هل حان الوقت ؟


 ما هذا الإعلان الذي أتحدث عنه ؟


هذه المرة الوضع مختلف، الإعلان الذي ربما لاحظته هو إعلان عن جمع التبرعات، يقول الإعلان- بتصرف: "إن الموسوعة قائمة على تبرعات القراء الاستثنائيين، ولكن حوالي 2% فقط هم من يتبرعون. إذا تبرعت بأي شيء قد تساعدنا على الاستمرار."


مؤخرًا، صرحت باتس بينا، مديرة الحسابات في ويكيميديا، أن المؤسسة قائمة بشكل كلي على التبرعات، وأكد على ما تحدثنا عنه بالأعلى؛ أن ويكيبيديا تحتاج إلى التبرعات لكي تستمر، وقالت إن السبب الحقيقي لهذا الأمر أن المؤسسة يعمل بها حوالي 250 موظف، وفي العشرين سنة الأخيرة، طرحت ويكيميديا حوالي 50 مليون مقال مجانيًا بحوالي 300 لغة، وقالت في النهاية ما يهمنا معرفته، قالت: "نحتاج إلى دفع رواتب الموظفين الذين يعملون لدينا".

عندما ظهر هذا الإعلان، خشينا جميعًا أن تكون تلك بداية النهاية؛ فعبارة "من أجل استمرار ويكيبيديا" جعلتنا نشعر بشيء من القلق على أكبر الموسوعات على الإطلاق، ولكن لا تقلق، فالتبرعات أكثر من كافية؛ وفقًا للتقرير المالي للشركة، استطاعت ويكيبيديا أن تجمع حوالي 28 ونصف المليون دولار في عام 2018-2019 فقط، وهذا يكفي ويفيض لدفع رواتب الموظفين واستمرارية الموقع الذي يحتاج إلى 3 ملايين دولار سنويًا.

طلب المزيد من التبرعات أو المال لا يعني الإفلاس، ولكن لا تنس أن المؤسسين يحتاجون إلى أموال من أجل استمرارية ويكيبيديا وباقي مشاريع الشركة الأم، ولا تنس أنه لا ضير من طلب المزيد من المال!
أحمد صفوت صلاح الدين
أحمد صفوت صلاح الدين
كاتب محتوى تقني وصحفي علمي، لي مساهمات عدة في مواقع عربية مختلفة مثل أراجيك، وإضاءات. أهوى الكتابة عمومًا وأريد أن أصنع فارقًا.
تعليقات

احدث المقالات