قبل عقدٍ أو اثنين، كانت عملية تتبع مكان شخصٍ ما صعبةٌ للغاية، بلّ مستحيلة بالنسبة للشخص العادي إذ أنها تحتاج للنفوذ البحث ولموافقاتٍ أمنية عدة، عداك عن تكنولوجيا مخصصة للنخبة، وبالطبع رجلٌ يعتمر قبعة بنظاراتٍ شمسية وجريدة. أما الآن فعملية التعقب سهلة جداً، بل أسهل من الإجابة على 7X8، ولكن السؤال الأهم: هل يمكن تتبع هاتفي دون تشغيل خدمات الموقع أو الـ GPS ؟
سيصيبك الرعب بمجرد معرفتك أن شخصاً ما يتعقب تحركاتك كظلك، وهذا للأسف أمرٌ واقع بوجود هواتفنا النقالة، إلا أننا تعايشنا معه من باب نمط حياة ولكنه لا يلغي فكرة أنه – حينما تقتضي الحاجة طبعاً – ستكون مراقبٌ بالخطوة أينما تحركت بأرجاء العالم. تعتقد أن الامر مبالغ فيه ؟ أبداً لا، خصوصاً إذا ما علمت أن ما تسمعه بالأخبار عن عمليات – تصفية شخصياتٍ مرموقة – دقيقة، هي عبارة عن صاروخ تطلقه طائرة مسيرة، موجه نحو جوال الضحية.
هل يكفي تعطيل GPS لضمان عدم تعقبي ؟
نعلم جميعاً بأن كل الهواتف الذكية في العالم تأتي مزودة بخدمات الموقع أو نظام GPS، والتي تفيدنا بشكلٍ عام بتحديد موقعنا لشركات توصيل الطلبات، سيارات الأجرة، أو حتى لمعرفة المطاعم القريبة منا باستخدام خرائط جوجل أو غيرها. ولكن ماذا لو أردت بعض الخصوصية، هل يكفي تعطيلك للـ GPS بحيث لا يستطيع أحد معرفة مكانك ؟ الجواب: بالتأكيد لا!
من الناحية النظرية، فإن إيقاف تشغيل الـ GPS مفيدٌ جداً لإخفاء موقعك الجغرافي، إلا أنه يصبح محدود الفائدة بوجود طرقٍ أخرى تسمح بالكشف عن موقع جهازك سواء قمت بتشغيل خدمة GPS أو تعطيلها. ماهي هذه الطرق ؟ سؤالٌ رائع، سأجيبك في السطور القادمة عن أهمها.
1- أبراج الاتصالات
متواجدةٌ في كل مكان وتستطيع تتبع هاتفك بدقة عبر طريقة تعرف بـ "التثليث" وذلك من خلال تحديد الأبراج الخلوية التي يتصل بها هاتفك وقياس المدة التي تستغرقها الإشارة للقيام برحلة ذهابًا وإيابًا بين الأبراج وهاتفك، حيث يتم حساب المدة وتحويلها إلى نطاقٍ محدد يدل على مكان تواجدك، من الجدير ذكره أنك ستتصل بأي برج خلوي بمجرد تشغيل هاتفك ولا تحتاج إلى إجراء مكالمة مثلًا أو ارسال رسالة نصية، وأن ثلاثة أبراج خلوية فقط كفيلة بتحديد مكانك بشكلٍ دقيق للغاية.
2- شبكات Wi-Fi العامة
انتشرت الكثير من شبكات Wi-Fi المجانية في الآونة الأخيرة، والاتصال بأحدها يبقى امراً مغرياً في حالة عدم توافر خدمة الانترنت بجهازك إلا أنها أيضا تستطيع تعقبك ولو كان الـ GPS معطلًا، بحيث أن أغلب تلك الشبكات تقوم بحفظ عنوان الماك الخاص بجهازك مقابل السماح بالاتصال بها وذلك لأجل الاحتفاظ بسجل الأماكن التي تزورها في كل مرةٍ تتصل فيها بنفس مزود الشركة.
3- StingRays أو محاكيات الابراج الخلوية
وهي أجهزة عبارة عن محاكياتٍ للأبراج الخلوية الهدف منها تتبع هاتفك بدلا من تزويدك باتصال حقيقي! حيث أنها تبث إشارات كتلك التي تطلقها الأبراج الخلوية ولكن بموجات أقوى، مما يجبر الهواتف المحمولة على الانفصال عن الأبراج الخلوية الحقيقية والاتصال بها. وكما الحال مع أبراج الخلوي، تستطيع "محاكيات الابراج الخلوية" استنتاج موقع هاتفك عن طريق قياس وتحويل الوقت الذي تستغرقه الإشارة للقيام برحلة ذهابًا وإيابًا بين هاتفك وStingray أو محاكي برج الخلوي المزيف.
4- برامج التجسس والبرامج الخبيثة
ربما تظن أن حصان طروادة أو التروجان هو عبارة عن برمجية خبيثة مختصة بالكمبيوتر فقط، للأسف، بعض الظن اثم، فهناك الكثير منها المخصص لتعقب أجهزة الجوال حتى في حال تعطيل خدمات الموقع، والتي تكون غالباً مثبتة على الجهاز مسبقاً، حيث أنها تتسلل لنظام الهاتف الجوال بغية تعقب مكانه وتخفي نفسها بطرق عدة، منها كتحديث لتحسين سرعة الإنترنت للمستخدم.
هل من طريقة آمنة لمنع تتبع موقعي ؟
صحيحٌ أن هناك عدة طرق لتعقب هاتفك حتى بتعطيل الـ GPS، إلا أنه ومن حسن الحظ توجد طرقٌ عِدة أيضاً لضمان عدم تعقبه، تستطيع اتباعها في حال أردت بعض الخصوصية، أو ربما من باب العلم بالأمر لا أقل ولا أكثر:
1- إيقاف تشغيل Wi-Fi في الأماكن العامة: إذا وجد الماء بطل التيمم، نفس القاعدة تنطبق على الهواتف الذكية، حيث أنها تتصل تلقائيا بأي شبكة Wi-Fi متاحة عوضاً عن استخدام البيانات، ربما تكون تلك الشبكة واحدة من الشبكات العامة التي تجمع بيانات الموقع الجغرافي. لذلك الأمر ننصحك بإيقاف تشغيل Wi-Fi عند تواجدك بالأماكن العامة طالما لا حاجة إليه.
2- تعطيل خدمات الموقع (GPS): ولو أن هناك عدة طرق تستخدم لتتبع جهازك في حال إيقاف تشغيل خدمات الموقع، إلا أنها محدودة الاستخدام ولا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، بالمقابل يستطيع أي أحدٍ تعقبك في حال تشغيلك للـ GPS، وايقافه يوفر طبقة من الأمان ضد متتبعات المواقع الأكثر شيوعًا.
3- تصفح باستخدام VPN: تتيح لك الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN) تصفح الإنترنت بشكل مجهول عن طريق إنشاء شبكة خاصة من اتصال إنترنت عام. عندما تستخدم VPN أثناء التصفح، فإنها تقوم بتشفير بيانات الإنترنت الخاصة بك، وإخفاء عنوان IP الخاص بك والموقع الفعلي. بهذه الطريقة، تتم تغطيتك حتى إذا زرت موقعًا يجمع بيانات موقع الزائر.
4- حمل التطبيقات من المتاجر الرسمية: تتيح الكثير من المواقع والمتاجر غير الرسمية تطبيقات مدفوعة بشكلٍ مجاني، الحقيقة أنه لا يوجد شيء بالمجان، إذ ربما يحوي التطبيق على برمجية خبيثة من شأنها تعقبك بكامل ارادتك، لذلك قم بتثبيت التطبيقات من المتاجر الرسمية وعطل تثبيت التطبيقات من مصادر الجهات الخارجية لتضمن عدم تعقبك، كما أن تثبيتك لبرنامج مكافحة فيروسات يعتبر حماية مضاعفة من التطبيقات والملفات الضارة، ومواقع الويب المشبوهة، والروابط الخطيرة.
5- دقق في أذونات التطبيق: تتطلب جميع التطبيقات أذونات معينة لتعمل بشكل صحيح. لكن يجب أن تكون حذرًا من طلبات الإذن المشكوك فيها، تحديداً تلك التي تطلب منك الحصول إذن تحديد الموقع وهو فعلياً ليس بحاجة اليه، مثلاً أن يطلب منك تطبيق مراقبة استهلاك البطارية اذن الوصول لموقعك، مما يعني ان التطبيق قد صمم بشكلٍ رئيسي لمراقبتك أنت لا استهلاك البطارية ننصحك بإلغاء تثبيت أي تطبيق يطلب أذونات غير منطقية. كما يمكنك العثور على بدائل في متجر التطبيقات إذا كنت بحاجة ماسة لاستخدام الوظيفة.
6- حافظ على برامج جهازك محدثة: تكلمنا سابقاً بمقالنا [لماذا يجب التخلص من هاتفك الاندرويد القديم؟] عن مخاطر استخدام جهاز لا يتلقى التحديثات الدورية بما فيها الأمنية، لذا من أفضل الطرق للحفاظ على أمان جهازك هي تحديث برامجك بانتظام. عادةً ما تتضمن تحديثات نظام التشغيل تصحيحات الأمان التي تعمل على إصلاح الثغرات الأمنية في التعليمات البرمجية. لذلك، إذا تم العثور على ثغرة جديدة، فمن غير المرجح أن تتأثر إذا كان برنامجك محدثًا.
7- إعادة ضبط المصنع: "آخر الطب الكي" يعتبر إعادة ضبط المصنع آخر الحلول المتاحة في حال شكك أن جهازك تعرض للاختراق، إذ أنهُ سيؤدي إلى حذف جميع البيانات الموجودة على هاتفك، لذا تأكد من عمل نسخة احتياطية من كل شيء قبل المتابعة ، يجب التنويه على أن إعادة ضبط المصنع تكون مفيدة في حال أن التطبيق الخبيث يعمل في الخلفية أو مثبت على أنه من تطبيقات النظام ، اما بالنسبة للتطبيقات العادية فيستطيع برنامج مكافحة الفيروسات التكفل بأمرها
هل يمكن منع أبراج الاتصالات من تعقب جهازي ؟
يحتاج هاتفك الجوال إلى اتصال دائم بالأبراج الخلوية القريبة ليعمل بشكل صحيح. الطريقة الوحيدة لإيقاف تتبع مشغل شبكة الجوال أو البرج الخلوي هي إيقاف تشغيل الجوال وإزالة البطارية، وهي الطريقة الوحيدة التي تضمن عدم تعقب جهازك، بحيث لن يتمكن أي شخص يحاول تتبع جهازك بعد إيقاف تشغيله إلا من معرفة الموقع الذي كان عليه قبل إيقاف تشغيله.
الخلاصة: ولو أن هناك عدة طرق تستخدم لتتبع جهازك في حال إيقاف تشغيل خدمات الموقع، إلا أنها تستخدم من أشخاص محددين أو هيئات معينة، ولا تتعدى تلك الطرق عدد أصابع اليد الواحدة، بالمقابل يستطيع حتى عامل توصيل البيتزا تعقبك في حال تشغيلك لخدمات الموقع، لذلك الأمر يكفيك تعطيل خدمات الموقع لضمان عدم تعقبك في الحالة العادية، أما في الحالات الأخرى فعدم حملك لهاتفٍ محمولٍ هو السبيل الوحيد لعدم تعقبك.