تراه عشرات المرات في اليوم وتنظر إليه بشكل دائم ولكن هل لفتك شكله المائل ؟
إنه
مؤشر الفأرة، منذ أول انطلاقات أنظمة التشغيل التي تعتمد على واجهة مستخدم رسومية لازم
هذا المؤشر تجاربنا، ولكن هل خطر لك لمرة سبب تصميمه بشكل مائل وليس مستقيمًا ؟
إذا ركزت به ستجده غير متناظر وبه زاوية ميل ويقول البعض إنها تحاكي
طريقتنا الطبيعية في الكتابة، حيث نمسك القلم بزاوية مائلة ولكن هل هذا هو
السبب الحقيقي فعلًا ؟ الإجابة لا وإنما الأمر يحمل اسرارًا مثيرة للدهشة
ويسعدني أن أخبرك ان هناك سبب وراء شكل المؤشر وسنتعرف عليه في هذا المقال.
لنعد قليلاً إلى الوراء وتحديداً إلى عام 1981 حينما قام
Douglas Engelbart
المهندس في شركة Xerox ومخترع "فأرة الكمبيوتر" بالعمل على تصميم مؤشر الماوس،
وبحسب الخبير Bart Gijssens المطلع على تاريخ الكمبيوتر مستشهدًا بوثيقة عمرها
أكثر من 30 عامًا أكد أن دوغلاس إنجيلبارت رسم أولاً مؤشر الفأرة عموديًا، أي
كان في البداية يشير سهم الماوس إلى الأعلى.
وقتها كانت أنظمة التشغيل التي تعمل بواجهات مستخدم تعمل على شاشات بدقات
منخفضة بحيث لم تسمح دقة الشاشات حينها بإظهار خطوط مستقيمة صغيرة مما أدى إلى
الاستغناء عن فكرة الأشكال العمودية، وبالتالي تصميم المؤشر كسهم عمودي لم يكن
مناسبًا لتلك الشاشات وكذلك من الصعب رؤيته حينها، لذا بدأ التفكير في حل ليصبح
المؤشر مرئيًا بشكل أفضل بحيث يسهل ملاحقته، والحل الذي طُبق وقتها هو إمالته
بزاوية 45 درجة وهو الأمر الذي لم يجعله واضحًا فقط بل كان تطبيق الحل نفسه
سهلاً أيضًا.
الآن قد تتساءل لماذا لم يتغير
للتصميم الأول بشكله المستقيم ما دام لدينا شاشات تدعم دقة عالية وبالتالي لن
تتكرر المشكلة التي حدثت حينها ؟ إجابة السؤال من الناحية التقنية والمنطقية
حتى، هي أنه من الممكن وبسهولة العودة للتصميم القديم ولكن في حال نظرنا للأمر
من ناحية الثبات في المجال التقني وعلى غرار العديد من الأمور التي حافظت على
طبيعتها منذ أول انطلاقة سواء من التصميم أو الشكل فإنه سيبقي مائلاً!
لأوضح فكرتي السابقة دعنا نأخذ قائمة Start في نظام ويندوز كمثال، فمن منا لا
يذكر الضجة التي حدثت والآراء السلبية للعديد من الأشخاص حينما قامت مايكروسوفت
بإلغاء قائمة ابدأ بويندوز 8 لتستبدلها بشاشة Metro ؟ فعلى الرغم من الفكرة
التي كانت وراء قيام الشركة بهذا التغير، وهي جعل ويندوز 8 مناسبًا للحواسيب
اللوحية، فإنها لم تلاقي استحساناً لدى الكثيرين لتقرر إعادة القائمة بتصميم
ملائم يرضي الجميع مع ويندوز 10.
ينطبق ما حدث بقائمة ابدأ مع مؤشر الفأرة فأتحدث هنا عن عادة بقاء
الأشياء كما هي في المجال التقني لفترة طويلة، فقد أصبحت جزءاً من تجربتنا
واعتدنا عليها وبالتالي تغير مثل هذه الأمور بشكل مفاجئ قد يشكل مخاطرة لأي
شركة تفكر في إنشاء نظام تشغيل واجهته الرسومية تظهر المؤشر مستقيمًا. ولهذا
السبب حافظ المؤشر على شكله المائل، ومن المفارقات المثيرة هو أنه لو كان لدينا
في الثمانينات شاشات بدقة عالية فمن الممكن أن نرى شكلاً مختلفًا للمؤشر الآن،
لكن بسبب الحدود التقنية حينها وصلنا للشكل الحالي للمؤشر.
عدم التناظر
وضحنا لماذا تم تصميم
المؤشر
بشكل مائل ولماذا بقي محافظًا على شكله المائل، فيوجد أمر آخر من ناحية التصميم
ملفت للنظر وهو عدم تناظره، ولهذا سبب أيضًا، فمن أجل القيام بحسابات للمكان
الذي سيتم النقر عليه بواسطة المؤشر تمت إزاحته لليسار من الناحية التصميمية
وذلك لأن مصفوفة البكسلات الأصلية للمؤشر كانت تشير إلى أنه للأعلى نحو اليسار،
وبالتالي الحسابات المتعلقة بالنقطة التي سيشير لها المؤشر والتي على الأغلب
ستنقر عليها ستكون أسهل، وقد يبدو للبعض أن الحسابات ليست بتلك المشكلة ولكنها
كانت فعلاً مشكلة للأجيال القديمة من أجهزة الكمبيوتر.
ومن منطلق آخر، تم اعتماد المؤشر بهذا الشكل ليعطيك شعوراً طبيعيًا، ولتوضيح
ذلك قم فقط بتخيل أنك تنقر على أي مكان في الشاشة بيدك وليس بمؤشر فأرة ومن ثم
قارن مع حالة استخدامك للمؤشر، ستجد أن شكل المؤشر يعطي انعكاسًا لوضعية يدك
وأصابعك فالفكرة الأساسية هي أن الجزء اليساري من المؤشر عبارة عن خط مستقيم
بشكل عمودي بشكل مشابه تماما لإصبع الإنسان العادي، ويوجد أسباب عديدة أخرى
لاعتماد هذا النمط من التصميم منها الإمكانيات البصرية المحدودة وقتها وهو
السبب الأساسي لاعتماد الميلان في
شكل المؤشر.
ولم يكن مؤشر الماوس هو الوحيد المحافظ على شكله الأول فقط لمجرد ان هذا هو
الشكل الذي تعود عليها المستخدم، هناك أمثلة كثيرة مثل ترتيب الحروف في لوحات
مفاتيح QWERTY حيث حافظ على ترتيب الحروف في آلات الكتابة القديمة وبقي نفسه في
لوحات المفاتيح لحد الآن. أيضًا تجد في جميع لوحات المفاتيح
أزرار Pause/Break" أو "Scroll Lock" أو "Insert" أو "Menu" ولكنها
مهجورة كونها لا تقوم بوظائف مهمة او ضرورية أثناء استخدام الكمبيوتر.
ختامًا: يعد التغير أمراً طبيعيًا
وضروريا لمتابعة التطورات الحاصلة في جميع المجالات، ولكن من المخاطرة أن تغير
وبشكل مفاجئ أمراً اعتاد عليه ملايين المستخدمين، فستجد من يرفض ذلك كون رحلة
المستخدم مع المنتج ستتغير في حال كان الانتقال من القديم للجديد يلغي ما اعتاد
عليه ويشمل ذلك كل شيء حتى مؤشر الفأرة والذي بدأ بشكله المائل واستمر لليوم
بهذا الشكل.