عندما أطلقت مايكروسوفت ويندوز 10 وبعد الضجة التي أحدثها ويندوز 8 والآراء السلبية حوله، أعادت لنا مايكروسوفت ويندوز الذي نعرفه جيداً صديقنا القديم بقائمة ابدأ وشعور استخدام ويندوز الذي فقدناه بويندوز 8، قررت حينها مايكروسوفت التوقف عند رقم 10 والاكتفاء بالتحديثات السنوية لنظامها، وبقي قرارها عدة سنوات إلى أن تفاجئنا بويندوز 11 والذي أحدث صدى وجدلاً منذ اللحظة الأولى من معرفتنا بالخبر ولكن ما السبب الذي غيرت من أجله مايكروسوفت قرارها ؟ سنتعرف في هذا المقال على بعض الحقائق التي قد تُشير إلى السبب وراء إطلاق ويندوز 11.
نسخة جديدة أم تحديث رئيسي لويندوز 10 ؟
كانت مايكروسوفت بين خيارين وهما إما نسخة جديدة تمامًا من نظام ويندوز أو تطبيق ميزات ويندوز 11 كتحديث رئيسي لويندوز 10. وكما هو واضح، لم تختر مايكروسوفت الخيار الأول عبثيًا، فقرارها القديم بالتوقف عند الرقم 10 جعلها في مكان حرج نوعًا ما ولم تكن حقيقة مجبرة على ذلك، وكان بوسعها أن تستمر في تطوير ويندوز 10 وربما طارد شبح التغيير السابق والكارثي من ويندوز 7 لويندوز 8 مايكروسوفت لفترة، وبالتالي يعتبر قرارها نوعًا من المخاطرة في تكرار تجربة التغير.
لكن أرادت مايكروسوفت أن تثبت أن ويندوز مازال نظامًا مرنًا وجديراً بالثقة ومواكبًا لجميع التغيرات الحاصلة في المجال التقني ومازال يلبي احتياجات المستخدمين. ولفهم الأسباب بشكل واضح دعنا نعود لعام 2015 عندما انطلق مصطلح "ويندوز كخدمة" Windows as a service وتحديداً عند إطلاق ويندوز 10 نفسه عندما أشارت جميع التصريحات لحقيقة أن ويندوز 10 هو آخر إصدارات ويندوز ولن نحصل سوى على تحديثات رئيسية مرتين كل عام. وبمقارنة بسيطة بين ويندوز 10 وويندوز 11 سنجد الاختلافات الكثيرة وسنجد معها التشابهات وبالتالي مفهوم ويندوز كخدمة لم يفارقنا، فإذاً ما السبب وراء هذا القرار ؟
من الواضح ان اطلاق ويندوز 11 تم على عجالة من مايكروسوفت، فلم نشاهد شائعات حول النظام الجديد قبل شهر يونيو 2021 او تحديدًا عندما نشرت الشركة اعلانًا تحضيريًا لمؤتمرها What's next for windows فالجميع تفاجئ بالخبر كما لو ان مايكروسوفت قررت بين عشية وضحاها اطلاق نظامًا جديدًا. صحيح تم تسريب إصدار معدل من ويندوز 10 يشبه إلى حدٍ كبير ويندوز 11 لكن كل الآراء وقتها كانت تزعم انه نسخة من ويندوز مخصصة للحواسيب اللوحية فقط وليس خليفة لويندوز 10.
إذً هل للأمر علاقة بالمال ؟ ربما، ولكن بشكل غير مباشر، فقد قدمت الشركة ويندوز 11 كترقية "مجانية" لمستخدمي ويندوز 10 الحاليين. ومن المؤكد كذلك ان الامر ليس له علاقة بواجهة رسومية أو ميزات جديدة. أعني، أن تكون قادرًا على تشغيل تطبيقات أندرويد على ويندوز أمر رائع، لكن ان يكون هو سبب إصدار جديد بالكامل ؟ لا أعتقد ذلك. إذن، ما الدافع وراء إطلاق ويندوز 11 ؟ تكمن إجابة السؤال وبكلمة واحدة "الأمان".
الأمان، المفهوم الذي عدّل قرار مايكروسوفت!
بالتأكيد الأمان والحماية المعززة لنظام تشغيل ليست من المميزات الجذابة لمعظم المستخدمين. وفي حالة ويندوز 11 فإن اهتمام مايكروسوفت بالحماية يعني أيضًا الاعتراف ضمنيًا بأن ويندوز 10 لا يُلبي معايير الحماية اللازمة. لكن ضعف الإصدارات السابقة من نظام ويندوز امنيًا ليس دائمًا بسبب عدم معالجة مايكروسوفت لكل الثغرات المكتشفة، أحياناً يخرج الامر عن السيطرة كما حدث عند اكتشاف ثغرة "Meltdown & Spectre" في معالجات حديثة من AMD و Intel والتي لا تزال موجودة حتى الآن. ضع هذه الثغرة إلى جانب ثغرات ويندوز الأخرى وسيصبح لدينا فوضى أمنية حقيقية.
هنا مايكروسوفت قررت ان تحسن سمعة أهم منتج لديها بإطلاق ويندوز 11 ليكون عنوانًا لحقبة جديدة تضع فيها أمان وحماية المستخدم في المقام الأول. على أرض الواقع، نجد ويندوز 11 بالفعل يرفع مستوى الأمان من بداية متطلبات تشغيله والتي تُلزم باستعمال أجهزة كمبيوتر مُجهز بأحدث تقنيات التشفير والحماية القائمة على الهاردوير (Hardware-level Security) مثل Secure Boot وشريحة TPM حتى انه يتطلب استعمال معالجات حديثة مثل الجيل الثامن من انتل و جيل AMD Zen 2 ليس لأنها تخلو من العيوب الأمنية فقط وإنما أيضًا لدعمها احدث مزايا الأمان والحماية التي تراها مايكروسوفت مطلوبة في الوقت الحالي.
فإذاً الأمان هو السبب وللأسف لا يملك معظمنا أجهزة تقابل المتطلبات القاسية لتشغيل ويندوز 11 وبالتأكيد مايكروسوفت تعلم هذا الأمر جيدًا لكن هذا لن يمنعها من تغيير توجهها نحو نظام تشغيل آمن حتى لو كان ذلك على حساب مطالبة المستخدمين بشراء أجهزة جديدة. ومع ذلك، أتاحت الشركة إمكانية تثبيت النظام الجديد على الأجهزة غير المدعومة بشرط الموافقة على تنازل بعدم استلام تحديثات أمنية أو البقاء على ويندوز 10 بعد مد فترة الدعم إلى عام 2025 القادم.
وبسبب استعجال مايكروسوفت في دفع نظامها الجديد إلى الأجهزة المؤهلة، تم إطلاق النسخة النهائية من ويندوز 11 خلال فترة وجيزة من طرح النسخة التجريبية، بمعنى أصح لم تعطي الشركة وقتًا كافية لاختبار النظام وكفاءته ومعالجة مشاكله لذلك كانت النتيجة هي حصول ملايين المستخدمين على نسخة شبه تجريبية (غير متكملة) من ويندوز 11 تفتقر مميزات مهمة وبها عدم تناسق في التصميم إلى جانب التسبب في تراجع الأداء في بعض الأجهزة.
لكن وبفضل التحديثات المستمرة للنظام، يرجح ان ويندوز 11 سيتمتع بالاستقرار الكافي لاستخدامه من قبل الشركات أو الأشخاص العاديين بحلول نهاية العام الجاري وحتى منتصف العام القادم. صحيح يمكن ترقية جهازك الآن وبشكل رسمي إلى ويندوز 11 إذا كان مؤهل لكن في حال كنت تستخدم هذا الجهاز للعمل وتحتاج أقصى أداء منه فربما يكون من الأفضل تعليق الترقية في الوقت الحالي أو يمكنك اختبار النظام بنفسك ثم العودة إلى ويندوز 10 مرة أخرى بدون فورمات.
ختامًا: تواكب مايكروسوفت كغيرها من الشركات التغير الحاصل والذي ينتج عنه وبشكل طبيعي تغيراً في المتطلبات فحتى مايكروسوفت وبكامل تاريخها ستسقط في يوم من الأيام في حال أصرت على عقلية معينة وجمود في قرارتها، فبالرغم من المخاطرة الحاصلة عند إحداث أي تغير جذري إلا أنه ضروري ونأمل أن يكون ويندوز 11 تغيراً جيداً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.