مما لا شك فيه تتربع الحواسيب المكتبية على عرش أقوى الأجهزة بالنسبة للأداء مع الألعاب. تستطيع من خلال حاسوب مكتبي لا تتعدى تكلفته 500$ أن تحصل على نفس الأداء الذي يمكن تحقيقه عن طريق لاب توب تكلفته 1000$. لكن هذا الأمر لا يعني أن الحواسيب المكتبية هي الأفضل دائماً، على العكس تماماً، حيث تتمتع الحواسيب المحمولة بالعديد من المزايا التي لا تتوافر في الأجهزة المكتبية. حيث يمكن اعتبار الحواسيب المحمولة بمثابة الهواتف الذكية (ليس بالضبط كالهواتف الذكية)، ولكن على الأقل تستطيع التنقل بها من مكان إلى آخر بكامل حريتك دون أن تفقد اتصالك بأصدقائك ومتابعة حساباتك الشخصية ومراقبة سير الأمور أول بأول وفهم كل ما يدور في العالم من حولك أينما تكون وكيفما تشاء. لكن للأسف ليس كل ما يلمع كما يقولون ذهباً، فهذه المميزات لا تنطبق أبداً على حواسيب الألعاب المحمولة عالية الأداء، أليس كذلك ؟
أين المشكلة بالتحديد
حواسيب الألعاب المحمولة كانت ولا تزال تحتفظ ببعض الثغرات السيئة التي تتسبب للبعض في كراهيتها وعدم الانجذاب نحوها، حيث تأتي ضخمة الحجم، وزنها ثقيل جداً، صوتها مرتفع للغاية، ودرجة حرارتها عالية لدرجة أنك لن تتحمل إذا تركتها على قدمك أثناء تشغيل بعض الألعاب أو إنجاز بعض الأعمال التي تتطلب مجهود من قِبل المعالج المركزي أو الرسومي. بأي حق نستطيع تسمية لاب توب وزنه يزيد عن 8 كيلو جرام على أنه لاب توب للألعاب، فكيف ستخرج مع أصدقائك أو تذهب إلى الجامعة بلاب توب وزنه يزيد عن وزن ثمرة البطيخ؟ تقريباً هذا شيء مستحيل. في الواقع هذا بمثابة حاسوب مكتبي متنقل ليس أكثر.
ولكن المصائب لا تأتي فرادى، أعتقد أن المشكلة الحقيقية ليست في وزنه وإنما في قيمته السعرية والتي وصلت حين موعد إطلاقه إلى 9000$ تقريباً – نتحدث عن لاب توب Acer Predator 21، أتعجب وأشكك من سعادة أي مستخدم يمتلكه أو يفكر في شرائه. ولكن لاب توب Predator 21 X لم يكن الوحيد الذي يأتي بهذه البشاعة، فجميع الشركات الرائدة المتخصصة في صناعة الحواسيب المحمولة تمكنت هي الأخرى من تطوير أفران للشواء شبيهه تماماً بذاك الأعجوبة.
فهل لاحظتم أن هذه الحواسيب الخارقة لم تحقق النجاح المرغوب فيه ولم تحظى بشعبية كبيرة وسط جمهور اللاعبين؟، والسبب بسيط جداً، هذه الحواسيب المحمولة مناقضة تماماً للهدف الأساسي من وجودها، وهو القدرة على التنقل بها وسهولة حملها، ولذلك يستطيع أي شخص أن يبني منصة ألعاب بنصف الثمن وتتخطى كل مقاييس الأداء والراحة والترفيه والرفاهية التي كان من الممكن أن يحصل عليها مع هذه الحواسيب المحمولة.
السعي وراء حل إيجابي
لذلك كان ينبغي على أحد ما أن يتخذ خطوة إيجابية تجاه هذه المعضلة ويضع حداً لها، وهذا الشخص كان جين-سون هوانج المدير التنفيذي لشركة NVIDIA عندما أعلن أثناء حدث COMPUTEX 2017 عن تقنية Max-Q الثورية. خلال المعرض عام 2017 لم تقدم الشركة أي شيء جديد باستثناء هذه التقنية والحديث عن مميزاتها وكيف تمكنت من تغيير مفهوم حواسيب الألعاب المحمولة بشكل لا يمكن تصديقه. حتى هذه اللحظة لم تقدم لنا شركة AMD تقنية مماثلة لها ولكن هذا بسبب اهتمامها الأكبر بالمعالجات المركزية حتى تصل بها إلى المستوى المطلوب وتستطيع الصمود أمام منافسها. بالتأكيد لا تزال العديد من حواسيب الألعاب التي تأتي بأحجام ضخمة حتى يومنا هذا، ولكن على الأقل استطاعت شركة NVIDIA أن توفر ما يمكننا تسميته بلاب توب أنيق للألعاب.
نعلم أنكم على علم شامل بدور تقنية Max-Q وما حققته خلال العامين الماضيين، ولكن للأسف لا تزال هناك بعض المفاهيم المغلوطة لدى بعض المستخدمين، والسبب في ذلك هو طريقة شرح وتفسير بعض المواقع لتقنية Max-Q في كيفية عملها. ولكن قبل أن نخوض معكم في دهاليز هذه التكنولوجيا الثورية دعونا أولاً نفسر الأمر برمته لمن لا يعلم عنها ونبدأ من عند نقطة البداية ونوضح لماذا لجأت إليها شركة NVIDIA، ثم ننتقل لشرح طريقة عملها.
لماذا لجأت إنفيديا لتقنية MAX-Q
منذ عدة سنوات استطاعت NVIDIA أن توفر إمكانية استخدام نفس المعالجات الرسومية الموجهة للأجهزة المكتبية في الحواسيب المحمولة أيضاً، ولكن كانت البطاقات الرسومية المتواجدة بالحواسيب المحمولة تأتي دائماً بحرف m كلاحقة نهائية للرقم التسلسلي الخاص برقم طراز البطاقة، فعلى سبيل المثال سنجد أن معالج GTX 570 موجودة بالضبط بنفس الخصائص المصنعية في الحواسيب المحمولة ولكن بحرف m في نهايته لكي يأتي تحت مسمى GTX 570m. هذا الحرف هو بالتأكيد اختصار لكلمة mobile أي محمول وفيما معناها أن المعالج الرسومي من أجل الحواسيب المحمولة.
ولكن مدلول هذا الحرف يمتد لأبعد من ذلك، حيث تأتي هذه المعالجات الرسومية بمعدل استهلاك طاقة منخفض مقارنة بالمعالجات الرسومية الموجهة للأجهزة المكتبية، وبما أنها أقل في معدلات الاستهلاك إذن ستكون مختلفة بالتأكيد في مستوى الأداء مقارنة مع أشقائها على سطح المكتب. ولكن في حين أن بعض المستخدمين نظروا إلى هذا الأمر على أنه ضمن عيوب حواسيب الألعاب المحمولة إلا أن شركة NVIDIA اعتبرت هذا الأمر بمثابة ميزة كبيرة نتيجة المحافظة على عمر البطارية من الاستهلاك المفرط المعتاد للبطاقات الرسومية المنفصلة، وبالتالي فقد أتت حواسيب الألعاب المحمولة بأسعار باهظة.
ولكن بمجرد تطوير إنفيديا لمعمارية Maxwell 28nm، تمكنت من تقليص فجوة الأداء الكبيرة الموجودة بين معالجات سطح المكتب مقارنة مع نظيرتها الموجهة للحواسيب المحمولة. لكن الشيء المؤكد أن المشكلة ذاتها لا زالت مستمرة، حيثُ تأتي حواسيب الألعاب المحمولة بحجم ضخم ووزن ثقيل وسُمك غليظ بسبب نظام التبريد وحجم مراوح التهوية التي تعمل بصوت مزعج شبيه بصوت محركات الطائرات النفاثة أثناء إقلاعها. ولكي يزداد الأمر تعقيداً فلا تزال هذه الحواسيب تزفر من رئتيها لهيب جهنمي لا يمكن تحمله أثناء استخدامها ووضعها أعلى القدم.
فكان لابد من وضع حد لهذه المشكلة، فلابد وأن يكون لاب توب الألعاب ذو سُمك نحيف ووزن خفيف ويظهر بمظهر أنيق وجذاب. لهذا السبب عملت شركة NVIDIA على ابتكار تقنية Max-Q، وكان الإعلان الرسمي عنها لأول مرة خلال حدث Computex 2017. وكانت المفاجئة عندما رأينا حجم وسُمك الحاسوب المحمول الذي يحمله جين-سون في يده وتعجب الجميع من مدى خفة وزنه على الرغم من كونه لاب توب للألعاب. أدرك الجميع أن الغرض الوحيد من تقنية Max-Q هو تمكين الحواسيب المحمولة من القدرة على تشغيل الألعاب الحديثة على دقة 4K والعمل في ظل كفاءة طاقة أفضل ودرجة حرارة أقل مقارنة بنفس الحواسيب المحمولة التي لا تحتوي على تقنية Max-Q.
ولتصحيح المفاهيم عند بعض المستخدمين ممن يعتقدون أن تقنية Max-Q عبارة عن تقليل حجم ومساحة المعالج الرسومي نفسه لتقليل معدل استهلاك الطاقة وانخفاض درجة الحرارة... تأكدوا أن هذا المفهوم هو من وحي الخيال، ولذلك نرجوكم أن تعتبروه مفهوم خاطئ وغير صحيح تماماً. في الواقع إذا خصصنا حديثنا عن حجم معالج مثل TU106 والملقب RTX 2060 الموجود في كل من بطاقات أجهزة سطح المكتب والموجود في جميع الحواسيب المحمولة سواء كانت داعمة لتقنية Max-Q أو بدونها فهو 445mm² Die Size دون أي اختلاف على الإطلاق، فمن أين أتى بعض المستخدمين بمنطق تقليل حجم رقاقة المعالج الرسومي هذا هو ما لم نجد له مصدر صحيح حتى الآن.
تقنية Max-Q وكيف تمكنت من كسر حواجز كفاءة الطاقة وسرعة الأداء
Max-Q عبارة عن مجموعة من الابتكارات الهندسية التي تستوجب عدة جوانب أساسية تجتمع كلها في بيئة عمل قياسية، والتي تشتمل على مزيج من التقنيات الحديثة في التصميمات الحرارية والكهربائية (Thermal and Electrical Designs) + أنابيب ومبددات حرارية متطورة (Heatsinks and Thermal Pipes) + مُنظمات طاقة ذات كفاءة وجودة عالية High Efficiency Regulator PWM + وبكل تأكيد مراوح تبريد أكثر جودة وأكثر هدوءاً. بهذا الشكل تحصل على تقنية Max-Q بعيدة كل البعد عن تغيير حجم المعالج الرسومي ذاته. معالج TU106 المُلقب RTX 2060 هو معالج رسومي واحد.
حتى معالج بطاقة RTX 2070 سواء كان يأتي مع تقنية Max-Q أو بدونها هو نفس المعالج الرسومي ونفس رقاقة السيليكون المستخدمة بالضبط في معالج TU106 ولكنه يحتوي على عدد ترانزستور أكبر من العدد الموجود في معالج RTX 2060. بينما معالج RTX 2070 Super فقط هو الذي يختلف..حيث يأتي بالاسم الرمزي TU104 وحجم رقاقته هو 545mm² . ولهذا السبب حواسيب الألعاب التي تحتوي على تقنية Max-Q تستدعي تدخل مباشر من مهندسي شركة NVIDIA أثناء تطويرها.
فلو كانت تقنية Max-Q عبارة عن مجرد معالج رسومي أصغر في الحجم لبادرت جميع مصانع الحواسيب المحمولة بشرائِه ودمجه في حواسيب الألعاب المحمولة الخاصة بهم، أليس كذلك؟ ولكن في الواقع التقنية عبارة عن مزيج من التصميمات الحديثة التي تتضمن شريحة المعالج وتعريف القيادة البرمجي الخاص بها ونظام التحكم والمكونات الحرارية والكهربائية التي ينبغي العمل عليها بعناية شديدة حتى يتحول الاب توب إلى واحداً ضمن الداعمين لتقنية Max-Q، وهذا هو المفهوم الصحيح لتقنية Max-Q.
بفضل وجود تقنية Max-Q فقد حصلنا على حواسيب محمولة خفيفة الوزن ذات سُمك نحيف للغاية وصوتها هادئ جداً وتعمل في ظل درجة حرارة منخفضة ومعدل استهلاك طاقة أقل، وهذا نتيجة أسلوب التبريد الجديد والتحكم بدقة في نظام عمل دائرة طاقة أو الدائرة الكهربائية المسؤولة عن تمرير التيار إلى المعالج الرسومي لخنق سرعة تردده مع عدم التضحية بنسبة كبيرة في مستوى الأداء. فحسب بعض المراجعات يستطيع الحاسوب المحمول الذي يحتوي على معالج رسومي RTX 2070 Max-Q أن يقدم نفس الأداء الذي يمكن تحقيقه من خلال حاسوب محمول يحتوي على المعالج الرسومي RTX 2060 الذي لا يدعم تقنية Max-Q.
ماذا جلب معه الجيل الثاني من تقنية Max-Q
ولكن للحديث بقية، حيث أعلنت الشركة عن الجيل التالي من تقنية Max-Q التي تعمل على تعزيز كفاءة الحواسيب المحمولة بشكل أفضل. بمعنى أن هناك بعض الإضافات والتعديلات الملموسة في نظام التبديد الحراري الذي يجمع كل من المعالج المركزي CPU والمعالج الرسومي GPU في بيئة عمل متطورة من خلال تقنية Dynamic Boost، هذه التقنية ترفع من معدل استهلاك الطاقة 15W من أجل زيادة الأداء بنسبة 10 في المائة وتحقيق معدل إطارات أعلى داخل الألعاب، هذا الأمر يحدث بشرط واحد وهو أثناء عدم الحاجة لاستخدام جميع موارد وأنوية المعالج المركزي..خاصةً المعالجات المركزية التي تحتوي على عدد كبير من الأنوية وخيوط المعالجة.
ضف على ذلك تقنية Advanced Optimus Technology لتغيير نظم المعالجة داخل الحواسيب، والتي تعني أثناء عدم الاحتياج للمعالج الرسومي GPU في بعض الأعمال الخفيفة بناءاً على طبيعة عمل المعالج المركزي نفسه CPU..حينها تهبط معدلات الطاقة المستهلكة من قِبل المعالج الرسومي تدريجياً حتى تبدأ مرحلة الاعتماد على وحدة المعالجة الرسومية المدمجة iGPU في قلب المعالج المركزي. بالتالي ستؤثر هذه التقنية بشكل إيجابي وملحوظ في زيادة عمر البطارية. حتى الآن لا نعلم عن وجود هذه التقنية إلا مع حواسيب Lenovo Legion 7i و Lenovo Legion 5i .
تقنية Max-Q ليست عبارة عن معالجات رسومية مختلفة في بنيتها الهندسية عن نظيرتها التي لا تدعم هذه التقنية، في الواقع إذا أردت تحويل لاب توب إلى أخر يكون داعم لتقنية Max-Q عليك فقط إعطاؤه لمهندسي شركة NVIDIA أنفسهم كي يتمكنوا من إضافة أسلوب التبريد ونظام التحكم الخاص بهم. للأسف مازلنا نرى أن هناك نسبة من التضحية في مستوى الأداء مع هذه التقنية ولكن عند النظر إلى حجم اللاب توب النهائي فحينها تقول أن إضاءة شمعة صغيرة أفضل من أن نلعن الظلام، ولأول مرة يمكننا فعلاً تسميتها بحواسيب الألعاب المحمولة.