مضت تلك الأيام التي كان يحتاج فيها الناس حمل كاميرا ضخمة ذات عمر بطارية قصير لالتقاط صور عالية الجودة. قبل بضعة عقود من الزمن كان أي شخص لديه كاميرا يتنقل بها أينما ذهب طالما يحمل هاتف، حتى قبل أن تُسمى "هواتف ذكية" فكانت كاميرات الهواتف بشكل عام يمكنها التقاط صور جميلة عالية الدقة. لكن كل شيء تغير في السنوات القليلة الماضية، فإذا أشتريت هاتفًا ذكيًا جديدًا في هذه الأيام - أيًا كان سعره - هناك إحتمال كبير أنه يحمل كاميرتين أو ثلاثة أو حتى أربعة في الخلف فقط - هذا يجعلك تشعر أنك تستخدم هاتف داخل كاميرا وليس العكس!. وسواء كنت تستخدم هاتفًا يحمل هذا العدد من الكاميرات أو لا فأنت تسأل ماذا تفعل كل هذه الكاميرات ؟ بالتأكيد لا تقوم الشركات بإضافتها من فراغ بل لتحسين تجربة إلتقاط الصور من الهاتف. لكن دعونا في هذا المقال نتعرف على وظيفة كل نوع من الكاميرات الثانوية وما مدى تأثيرها ؟.
الأمر كله متعلق بالبعُد البؤري - Focal Lengths
فى عالم الكاميرات الرقمية، هنُاك مصطلح مهم جدًا يؤخذ بعين الإعتبار من قبل المصورين وهو "البعُد البؤري - Focal Lengths" والذي يشير ببساطة إلى المسافة بين عدسة الكاميرا ومستشعر الصور. فأحيانًا تلاحظ أن عدسات التصوير مطبوع عليها مصطلح "10mm" أو "35mm" والذي يوصف كيفية إلتقاط الصور عبر هذه العدسة - هذا بالضبط البعُد البؤري الذي نتحدث عنه. إنه يحدد شيئين فى غاية الأهمية هما: مقدار ما يتم إلتقاطه في الصورة الواحدة، ومقدار تكبير جزءًا معينًا في المشهد.
كما نلاحظ من الصورة المرفقة بالأعلى، تسمح لك العدسة ذات البعُد البؤري القصير أن تلتقط صورة واسعة كما تراها العين البشرية، بينما العدسة ذات البعُد البؤري الطويل تسمح لك بإلتقاط صورة لشيء بعيد جدًا بتفاصيل واضحة. على أي حال، الكاميرات الرقمية DSLR عادًة ما يكون لديها مجموعة من الأبعاد البؤرية التي يمكن التبديل بينها مثل 18mm-55mm أو 9mm-18mm وعلى الهواتف الذكية متعددة الكاميرات أصبح نفس الشيء، فكل عدسة تمثل بعُد بؤري معين. نوضح لكم ذلك بالتفصيل في الفقرات التالية.
اولًا: العدسات المقربة - Telephoto Lens
إذا كنت تستخدم هاتف ذكي يحمل كاميرا خلفية واحدة وأردت عمل Zoom على شيء بعيد، فإن الطريقة التى تستخدمها هذه الكاميرا لتكبير الشيء البعيد تُسمى التقريب الرقمي - Digital zoom وهو ببساطة أن تقوم الكاميرا بتوسيع جزءًا من الصورة بدقتها الكاملة (تمامًا كما فى هذه الصورة) وفى الغالب تؤدي هذه الطريقة إلى فقدان كبير فى التفاصيل - خصوصًا على المسافات الطويلة. لكن إذا كان الهاتف يحمل كاميرا ثانية، فعلى الأرجح هذه الكاميرا عبارة عن عدسة مقربة - Telephoto Lens والتى تقوم بتكبير الأشياء البعيدة عبر التقريب البصري - Optical Zoom بحيث تتيح لك رفع البعد البؤري (أكثر من 50mm) وبالتالي يمكنك تصوير الأشياء البعيدة بوضوح تام فى التفاصيل دون المساس بجودة الصورة نفسها.
بطبيعة الحال هذا يجعل تجربة التصوير ممتعة بحق، من منا لا يرغب فى أن يتمتع هاتفه بقدرات تكبير أفضل! ولكن لا يمكن للشركات المصنعة للهواتف أن تقوم بتضمين هذا النوع من العدسات المقربة مثل الموجودة في الكاميرات الرقمية DSLR نظرًا لأنها ستجعل الهاتف أكثر سماكة، بدلًا من ذلك فهي تعمل فقط على توفير نموذج بسيط للتكبير ضعفين أو ثلاثة أضعاف.
ومن أمثلة هذه الهواتف التي تتضمن عدسة مقربة: آيفون XS وسامسونج S10 وهواوي Mate 20 و P20. فعندما تستخدم كاميرات ايًا من هذه الهواتف وتريد عمل Zoom على شيء بعيد، فإن الهاتف يقوم بالتبديل إلى عدسة الـ Telephoto تلقائيًا لتكبير الصورة بصريًا بدون إنخفاض ملحوظ في الجودة.
لكن دعونا لا ننسى هاتف Google Pixel 3 والذي يقدم نتائج غالبًا ما تكون مماثلة للصور الملتقطة بتكبير بصري رغم أنه يحتوي على كاميرا واحدة فقط، والسبب ببساطة هو أن الهاتف يستخدم برنامجًا متقدمًا لمعالجة الصور أثناء عمل الـ Zoom بحيث يُغني عن وجود عدسة مقربة. ولكن يعتمد مدى نجاح هذا الأمر على تطبيق الكاميرا المُستخدم. لاحظ أيضًا أن بعض الهواتف الأخرى تتضمن كاميرا واحدة لكن بدقة عالية جدًا - مثل 48 ميجابكسل من أجل تحسين قدرة التكبير.
ثانيًا: عدسات واسعة الزاوية - Wide-Angle Lens
أحيانًا تحتاج إلى تضمين أكثر من شيء واحد في المشهد الذي تحاول إلتقاطة بواسطة الكاميرا. وفي هذه الحالة فأنت بحاجة إلى كاميرا ذات بعد بؤري أقل من المعتاد وهذه هي التى يُطلق عليها اسم "عدسات واسعة الزاوية - Wide-Angle Lens". لكن على عكس الـ Zoom تمامًا، من المستحيل رقمنة الزوايا الواسعة أثناء إلتقاط الصور. لذلك تعُد عدسات الـ Wide-Angle إضافة حقيقية للكاميرا. وقبل أن تطلق هواوي هاتفها Mate 20، كان هاتف LG V40 ThinQ أولى الهواتف الذكية التي تضمنت كاميرا خلفية واسعة الزاوية إلى جانب الكاميرا الأساسية، ولكنها الآن أصبحت شائعة فى كثير من الهواتف من مختلف الشركات الأخرى. وليس من الضروري أن تكون عدسة Wide-Angle فى الخلف، بل إنه في بعض الهواتف تكون في الأمام أيضًا لتسمح لك بتضمين أكبر عدد ممكن من الأشخاص أثناء التصوير سيلفي.
ثالثًا: مستشعر عمق - Depth Sensor
تحتوي جميع الهواتف الذكية التي تم إصدارها في السنوات الماضية - بلا إستثناء، على وضع التصوير "بورتريه" داخل تطبيق الكاميرا الخاص بكل هاتف. يتيح لك هذا الوضع ببساطة التقاط صورة مع خلفية ضبابية نتيجة لتأثير البوكية كي يتم إبراز الجسم المراد تصويره في وسط الصورة. ومن أجل تحسين تجربة التصوير تحت هذه الوضعية، لدى بعض الهواتف كاميرا مخصصة تحتوي على مستشعر عمق - Depth Sensor وظيفته إكتشاف مكان إنتهاء الحواف الخاصة بالجسم الواقع في بؤرة العدسة (مثل الأُذن، والشعر، والكتف) ويشار إلى هذه التقنية عادًة باسم كشف الحواف - Edge detection.
في بعض الهواتف متوسطة الميزانية تكون هذه الكاميرا أقل من كل الكاميرات الثانوية الأخرى من حيث الدقة حيث تتراوح بين 2 و 5 ميجابكسل. لكن في هواتف الـ Flagship والهواتف مرتفعة التكلفة، يكون فيها مستشعر العمق مدمجًا مع عدسة أخرى وليس فى كاميرا مستقلة خاصة به. مثلًا يأتي هاتف آيفون XS مع عدسة مقربة Telephoto للتكبير البصري وأيضًا لكشف الحواف وتحسين تجربة التصوير بوضع بورتريه.
رابعًا: عدسة أحادية اللون - Monochrome Lens
في بعض الأحيان، تكون الصورة أبيض وأسود أكثر درامية وجاذبية عن الصورة الملونة. ومع ذلك، تقتصر معظم كاميرات الهواتف الذكية على توفير الفلاتر والمرشحات التى تجعل الصورة بالأبيض والأسود بعد إلتقاطها. بينما يمكن لعدسة Monochrome أن تلتقط الصور بالأبيض والأسود الحقيقي بدون إضافة أي فلاتر، مما يجعل الصورة أكثر إثارة. ومنذُ أن أعلنت شركة هواوي لأول مرة عن شراكتها مع شركة Leica الألمانية، تميزت جميع هواتفها من الفئة العليا (مثل Mate 10 و P20) بعدسة Monochrome خلفية تسمح بالتقاط صور حقيقية بالأبيض والأسود إلى جانب الكاميرا الأساسية وكاميرا الـ Telephoto.
كما شقت طريقها أيضًا لتكون متوفرة فى المزيد من الأجهزة الرائدة الأخرى مثل Sony Xperia XZ2 Premium و Moto Z2 Force. تميل الصور التي يتم التقاطها بهذه العدسة إلى أن يكون لها مستوى تباين أقوى من تلك التي يتم إضافة فلتر ابيض واسود عليها. كما أن عدسة Monochrome تزيد من كمية الضوء الداخلي لتحسين تفاصيل وحيوية الصور الملونة التي يتم التقاطها بالكاميرا الأساسية.
كاميرات الهواتف الذكية تتطور إلى الأفضل
ليس بالضرورة أن تكون كل العدسات المذكورة أعلاه موجودة فى كل الهواتف، لكن بعضها يتضمن على الأقل واحدة من هذه العدسات. مع الأخذ فى الإعتبار أن الأمر لن يتوقف فقط عند هذه النوعيات من عدسات الكاميرا بل مازالت تقوم الشركات المصنعة بتطوير المزيد من العدسات المثيرة للإهتمام في هواتفها، لعل أبرزها هو هاتف Huawei Honor View 20 الذي ظهر في أوائل عام 2019 حيث يتميز بكاميرا تعمل على إلتقاط صور ثلاثية الأبعاد! وفي الوقت نفسه في عام 2018 أصدرت سامسونج هاتف Galaxy A9 الذي يعُد أول هاتف فى العالم يعمل بأربعة كاميرات خلفية: كاميرا أساسية، كاميرا Telephoto، مستشعر عمق، كاميرا واسعة الزاوية. وهذا مؤشر أننا سنشهد المزيد من الهواتف تأتي بكاميرا رباعية قريبًا.
في النهاية، تعتمد جودة الصورة على المصور بقدر ما تعتمد على الكاميرا. فحتى إذا كنت تستخدم هاتف قديم بكاميرا واحدة، مهارات التصوير الفوتوغرافي الخاصة بك قد تؤدي إلى نتائج تفوق صاحب الهاتف الذي يحتوي على 4 كاميرات إحترافية. لذا فعدد الكاميرات ما هو إلا وسيلة مساعدة لا أكثر.